الثقافة والجمال العلاقة بين الرجل والمرأة أنموذجاً

الثقافة والجمال العلاقة بين الرجل والمرأة أنموذجاً


 أعتقد أن العلاقة بين الذكر والأنثى كنمطين أصليين (هذا ذكر وتلك أنثى) تتجاوز الفعل الثقافي في تجليه المكتسب, فميثاق الذر الأول واشج بين الذكر والأنثى ودفع باتجاه تأكيد بعضهما البعض, ولاحقاً كان آدم على استعداد تام أن يتخلى عن جنة عدن, لأن أنثاه الأولى كانت أكثر إبهاراً من تلك الجنة.

السؤال الآن: هل ساهم الفعل الثقافي كفعل مكتسب في تطوير العلاقة بين الرجل والمرأة ضمن سياقهما التشاركي بمختلف أبعاده وتجلياته؟

بدئاً, افترضُ نعم, إليكم تفصيلاً بذلك:

المرأة بحد ذاتها حالة قصوى من الجمال نقصد جمال المرأة , إلى درجة تعدي حدود جنة عدن كما أسلفت, مما ترتب على هذا الاستحقاق العظيم مواكبة متواصلة عبر مجاراة هذا السيال الدافق. ولقد واكب الرجل هذا العطاء من بداياته, وإذا كان من مؤشر أولي لـ "نشيد الإنشاد" أو "نشيد سليمان" في النص التوراتي, فإنه مؤشر على مدى فاعلية النص المكتوب في علاقة الرجل بالمرأة والدفع به قدما ناحية عوالم أكثر دفئاً وتحناناً, فالنسقية الجمالية في النص المكتوب تشارك فيها كل من الذكر والأنثى, وصيغت لتؤكد التواشجية بينهما, فالاكتساب الثقافي ههنا خلق نوعاً من النعومة الفائقة, ولاحقاً انوجدت بعض النظريات النفسية لتثبت أن كل ما يفعله الذكر على مستوى اللاوعي هو لإرضاء الأنثى, و لعكس بالعكس, أي أن كل ما تفعله الأنثى على مستوى اللاوعي هو لإرضاء الذكر.

أيضاً تأتت شخصية (شمخة) في نص جلجامش لتروض بربرية "أنكيدو", فعبر هذا النص المكتوب ثمة علاقة انبنت بين رجل وامرأة نصياً, وتابعاتها جسدت على الأرض. صار أنكيدو أكثر تحضراً وأقل بربرية, معنياً بالحياة ودفقاتها بالدرجة الأولى.

قد يدفع الفعل الثقافي باتجاه إنارة الجانب المظلم من العقل البشري. وأن يشرق العقل عبر الفعل الثقافي لمما يؤثر إيجاباً على علاقة الرجل بالمرأة, من حيث هو يمارس تغييراً إيجابياً على الأذهان, وتغيير الأعيان, يتأتي, من باب تحصيل الحاصل. فالشفافية المُتحصلة من اكتساب المعارف تغير في الطبيعة الكيميائية للدماغ, فتجعله أكثر إشراقاً وتنوراً بجل القضايا التي يتعامل معها, سيما في القضايا التي تمسه مساً مباشراً, كالعلاقة بين الذكر والأنثى.

السؤال الملح ههنا: هل الفعل الثقافي بصيغته المكتسبة, يؤدي حتماً إلى تغيير إيجابي في مسلكية الذكر والأنثى, كل تجاه الآخر, أم إن الأمر يحتمل بعداً سلبياً مضمرا؟

سأجيب عن هذا السؤال من زاويتين:

الأولى : في نماذج الشعر قد يكون الملبوس الجميل للبُنى النصية حدثاً إشكالياً مزدوجاً, لناحية تفتت الروح وضياعها عبر البحث المأساوي عن سبيل تصريفي لهكذا أزمات, وقد يتأتى الحل التصريفي من الآخر, وليس من الذات.

إليكم مثال "مجنون ليلى", من منطلقين:

الأول: مأساة الشاعر إذ تجلت في ضنكه وبعده عمن أحب, فالنص الشعري الشفيف اللطيف لم يتشفع له حياتياً, لذا عاش مأساته الداخلية على أصولها.

والمنطلق الثاني, مبني أساساً على نص شعري قديم يقول:

مصائب قوم عند قوم فوائد/ فمصيبة "المجنون" حالت إلى مأثرة لدى العُشاق, إذ صاروا ينهلون من ماء النبع الخاص بالمجنون ويشربون ليطفئوا ظمأهم المحموم إلى حبيباتهم.

الثانية: يمكن لسؤال: هل المُكتسب الثقافي دائماً في صالح الإيجاب بين الذكر والأنثى, أم ثمة مجال للسلبي والمضاد؟ ماذا لو أن أنثى اكتسبت ثقافة عالية في حقل علم الاجتماع مثلاً, قد ارتبطت, برباط الزوجية, برجل اكتسب ثقافة عالية في حقل الإجرام, وأخذ هذا الاكتساب الثقافي على مستوى الذهن ينعكس تباعاً على أرض الواقع؛ أين سيلتقيان (بصفتهما داخلان كشريكين في مؤسسة مشتركة) وأين سيختلفان؛ ما جدوى المُكتسب الثقافي في هكذا حالة؛ وهل ثمة مجال لاستمرارية الوضع القائم أم إن الأمر يشي بقادمٍ تخريبي, سيقود, حتماً, هكذا شراكة إلى الفساد والتدهور؟

قد يكون للفعل الثقافي بعض الهنات في سياقه التفاعلي بين الذكر والأنثى, ولكن هذا ما لا يُعاب على الفعل الثقافي بحد ذاته, بقدر ما يُعاب على حاملي هذا الفعل ومُفعلي آليات تواصله على أرض الواقع.

وهذي الهنات, كخلاصة لطرحي آنف الذكر, لا يمكن أن تُشكل عقبة في وجه الطموح البشري بتطوير العلاقة بين الذكر والأنثى, عبر آليات ثقافية تُكسب اكتساباً, بحيث تتفاعل جنباً إلى جنب مع ما هو أصيل في الذات البشرية, بحيث تصير العلاقة بين الذكر والأنثى علاقة مُتحضرة وذات معنى في سياقها التفاعلي, بحيث يتجلى, كصيغةٍ أخيرة, هذا التوائم الثقافي صيغاً جمالية متطورة بين الذكر والأنثى.

إرسال تعليق

0 تعليقات