يعتبر
عقد الكراء من أهم التصرفات التي يمكن أن تنصب على العقار، لهذا فقد أجاز فقهاء الشريعة
الإسلامية عقد إجراء الكراء بالنسبة للعقارات المحبسة نظرا للضرورة ومراعاة لمصلحة
الأحباس، وذلك بعد أن أخذت الأملاك الحبسية تتفتت وتتعرض للإهمال والاندثار.
غير
أن كراء العقارات الحبسية يخضع لإجراءات محددة وتفصيلات نصت عليها أقوال الفقهاء واجتهاداتهم
المتعلقة بالأحكام المعتمدة في موضوع الكراء، وكذا للنصوص والتشريعات التي تشتمل عليها
الضوابط الحبسية، ذلك أن كراء العقارات الحبسية قد يتم وفق قواعد الفقه الإسلامي أو
وفق التشريع الوضعي.
إلا
أن ما يطرح التساؤل هو إذا كان عقد الكراء الحبسي كغيره من عقود الكراء العادية، أم
أن الإجراءات الخاصة والتفصيلات التي جاء بها التشريع الكرائي الحبسي ترتب آثار خاصة
على طرفي العقد، وبالتالي تمثل خصوصيات عقد الكراء الحبسي؟.
للإجابة
على كل هذه التساؤلات وللإحاطة بالموضوع سنقسمه إلى مبحثين على الشكل التالي:
المبحث الأول: طرق كراء العقارات الحبسية.
المبحث الثاني: آثار كراء العقارات الحبسية وخصوصياتها.
المبحث الأول : طرق كراء العقارات الحبسية
يعتبر
عقد الكراء من العقود الرضائية المسماة والمحددة المدة ومن أقدم العقود التي عرفها
الإنسان وهو ينصب على المنقول والعقار قصد الاستفادة من منافعها مقابل أجرة محددة يدفعها
المكتري للمكري ويرتب لطرفيه حقوقا والتزامات شخصية([2]).
وقد
عرف المشرع المغربي الكراء في الفصل 627 من ق.ل.ع بأنه "عقد بمقتضاه يمنح أحد
طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار خلال مدة معينة في مقابل أجرة محددة يلتزم الطرف الآخر
بدفعها له"([3]).
فمن
خلال هذا الفصل يتضح أن الكراء عقد بمقتضاه يمنح أحد طرفيه للآخر منفعة منقول أو عقار
خلال مدة معينة مقابل أجرة محددة، وبذلك فإن التمكين من الانتفاع لا يتصور إلا ممتدا
في الزمن، وأن المدة عنصر جوهري وتكملة ضرورية لمنفعة الشيء المؤجر، فلا يجوز بالتالي
أن يتفق المتعاقدان على أن يكون الكراء مؤبدا.
وإذا
كان عقد الكراء يتميز بكونه محدد المدة ولا يترتب لطرفيه سوى حقوق والتزامات شخصية،
فإن الفقه الإسلامي نظم نوعا من عقود الكراء تتسم بصفة الدوام والاستمرار وهى تنصب
على الأملاك الحبسية وتخول المكتري منافع دائمة تعتبر بمثابة حقوق عينية لما تتصف به
من صفة الثبات والاستمرار، وهذه الحقوق هي الجلسة والجزاء والزينة والمفتاح، وهي من
الأعراف الإسلامية التي عرفها المغرب مند أقدم العصور، حيث نظم فقهاء المالكية أحكامها.
وقد
نص القانون الوضعي المغربي على الحقوق العرفية الإسلامية في الفصل 8 من ظهير 2 يونيو
1915 الخاص بتحديد التشريع المطبق على العقارات المحفظة، حيث اعتبر هذه الحقوق من العقارات
بحسب المحل الذي تنسحب عليه، كما أشار الفصل 197 من الظهير أعلاه إلى هذه الحقوق حيث
نص على إبقائها خاضعة للقواعد التي تحكمها وهي قواعد الفقه الإسلامي، وبذلك فهو يقر
الصبغة الدائمة لهذه الحقوق إلى جانب الكراء المؤبد جاء القانون الوضعي بقواعد للكراء
الحبسي تنظمه تنظيما خاصا من أجل الحد من الوضع الذي خلفته قواعد الكراء الحبسي في
الفقه الإسلامي، ولعل ما يؤكد ذلك ما تنص عليه الظهائر الشريفة التي تنظم ضبط كراء
الأملاك الحبسية، ولدراسة طرق كراء العقارات الحبسية في الفقه الإسلامي سنقسم هذا المبحث
إلى مطلبين:
المطلب الأول: طرق كراء العقارات الحبسية في الفقه الإسلامي.
المطلب
الثاني: طرق كراء العقارات الحبسية في التشريع الوضعي.
المطلب الأول: طرق كراء العقارات الحبسية في الفقه الإسلامي
الكراء
الحبسي كما سبقت الإشارة إليه هو الذي ينصب على عقار من عقارات الأحباس ويرتبط، بين
إدارة الأحباس عامة كانت أو معقبة والمكترين وهو كراء يتسم بالدوام والتبقية في إطار
الفقه الإسلامي المالكي.
وقد
نظم فقهاء المالكية أحكام كراء المؤبد تحت اسم الجلسة، والجزاء والزينة والمفتاح، وذلك
بحسب نوع العقار الذي يخضع لهذا الكراء، والغرض الذي يستعمل فيه.
فإذا
كان العقار عبارة عن حوانيت وفنادق وحمامات وأفرنه ومساكن، فإنه يترتب للمكتري حقا
يسمى الجلسة.
وإذا
كان العقار عبارة عن أرض بيضاء أو خراب، فإنه يرتب للمكتري حقا يسمى الجزاء أو الاستئجار
ويتفرع عن هذين الحقين الأساسين حقان آخران هما الزينة والمفتاح أو الحلاوة.
ونشير
أن قواعد الكراء تقتضي منع الكراء المؤبد، لما فيه من الغرر والجهل ولأنه مخالف للقاعدة
التي تقتضي بأن مدة الكراء لابد أن تكون معروفة([4]) كما أن المكترى لا يكون ملزما
بأداء الكراء عن المدة التي يتأتى له فيها الانتفاع بالعقار المكترى، غير أن الفقه
أجازه نظرا لما فيه من المصالح، ولأن الضرر الذي يشتمل عليه يسير لا يكاد يخلو منه
أي عقد([5]). وهكذا تم الالتجاء إلى هذا النوع من الكراء المؤبد لكثرة الأملاك الحبسية
وقلة الإقبال على كرائها لمدة محددة وقصيرة مما أدى إلى تعطيل منفعتها وضعف مداخليها
التي يحتاجون القيمون على الأحباس للإنفاق على المساجد وتعميرها وعلى كافة المستفيدين
من ريع الحبس كالمدارس العلمية والمساكين([6])، كما أنه لا يوجد من يكتري الأرض الفضاء
كراء عاديا يخول للمكري أن يسترد عقاره عند انتهاء مدة الكراء لأنه من المعروف أن استغلال
الأراضي الفلاحية على الوجه الأكمل يحتاج إلى مصروفات لا تظهر نتائجها إلا بعد سنوات،
لذلك كل من يرغب في كرائها يسعى إلى أن يكون ذلك لمدة توفر له الاستقرار، فإن لم يكن
الكراء دائما مؤبدا، فعلى الأقل يكون كراء طويل الأمد حتى لا يضطر لإفراغها قبل أن
يستفيد مما بذله من جهد، وما أحضره من تجهيزات وآلات لاستغلال تلك الأرض أو تحسين ذلك
الحانوت أو الدار أو غير ذلك، فكان لابد من أن يجري التعامل في كرائها وفق مساطر ليست
على وثيرة واحدة، وإنما على وثيرة يراعى فيها مقاصد المكترين ومطالبهم، وما تحققه من
مصالح الأحباس أو للدولة. إضافة إلى أن مداخيل الأحباس من الكراء العادي ستكون غير
قارة نظرا إلى أنها تتأثر بالعوامل الاقتصادية المتغيرة، في حين أن الأحباس في حاجة
إلى مداخيل دورية وقارة تنفقها في مصالحها وتؤدي منها أجور الموظفين الدينيين، وتحقق
بواسطتها الأهداف النبيلة التي توخاها المحبوسون من التبرع بأملاكهم عن طريق الحبس([7]).
كل هذا
يوضح سبب تشجيع الناس على كراء أملاك الحبس بجعل الكراء على التبقية والاستمرار مقابل
أجرة المثل أو أقل منها بقليل([8]) تؤدى في جميع الظروف للأحباس كان الرواج أو الكساد
انتفع المكتري أو إذا لم ينتفع مع التزامه بصيانة العين المكتراة والحفاظ عليها ولا
يفرغ منها إلا برضاه أو أخل بالتزامه بعدم أداء الكراء وإهمال المحل([9]).
وكما
سبق وان أوضحنا فإن القانون العقاري المغربي نص على الحقوق العرفية الإسلامية واعتبرها
من ضمن الحقوق العينية الأصلية، وتبعا لذلك فإن هذه الحقوق يمكن التصرف فيها بعوض أو
بدون عوض ويستأثر بها صاحبها، كما يمكن رهن هذه الحقوق رهنا رسميا طبقا للفصل 158 من
ظهير 2 يونيو 1915([10]).
وهكذا
يمكن أن نميز بين أربعة أنواع من الحقوق التي تنتج عن الكراء المؤبد وهي: حق الجلسة،
حق الجزاء، حق الزينة، حق المفتاح.
الفقرة
الأولى: حق الجلسة
حظي
نظام الجلسة بإهمال الفقهاء حتى أن من بينهم من وضع في ذلك مخطوطا خاصا كالشيخ التمام
عنونه "بإزالة الدلسة عن وجه الجلسة، وذالك لكون نظام الجلسة كان عند أهل فاس
من الأعراف المقررة والعوائد المستحسنة([11]).
والجلسة
بكسر الجيم لغة هي: الحالة التي يكون عليها الجالس، كما في القاموس، وقد تكون بأل التي
للعهد أو التي للحقيقة أو للجنس، وقد تضاف لما بعدها، كجلسة فلان، وجلسة الحانوت إضافة
عموم أو عهد أيضا إلى غير ذلك. ويحتمل هنا فتح الجيم، فتكون للوحدة والظاهر أن لا مانع
منه، وكثير ما ينطق العامة عندنا بضم جيمها لكن مع جعلها كالكاف المعقودة([12]).
واصطلاحا
هي قرار مستمر مع عقد كراء على التبقية بما عون([13])، واعتبره أحد الفقهاء بأنه
"تمليك المنفعة للقيام بأمر الأصل كل القيام وتتميم ما تتوقف عليه عمارته من إحداث
مواعين وآلات تناسب ما اعد له الأصل"([14]).
والجلسة
صورة لعقد إيجار مقابل مبلغ معلوم، ويقع عادة على المحلات الصناعية والتجارية لكي يقوم
صاحب الجلسة بتجهيزه بالمعدات اللازمة لهذه الحرفة، كما أن المالك قد يقوم بتجهيز المحل
بالمعدات ويؤجره لأحد أصحاب المهنة بأن ينشأ له حق جلسة على المحل ومعداته ويتعين مراعاة
قيمة المعدات والمواعين عند تقديره الأجرة([15]).
فمفهوم
الجلسة في نظر الفقهاء يتميز فيه مالك المنفعة عن مالك الأصل، فمالك الأصل ومالك منفعته
لا يختلفان من حيث المنظور الذي للجلسة وللمنفعة في نظر فقهاء المالكية بل إن وضعية
مالك المنفعة من حيث التصرف أوسع من وضعية مالك الأصل من جهة أن مالك الأصل التي تنحصر
في استمرار ملكيته لأصله وثبوتها له. أما من انتقلت إليه منفعة الأصل على وجه الكراء
المؤبد فإنه يخول بمقتضى ذلك التصرف في منفعة الأصل بالبقاء المستمر فيه وإجراء كل
أنواع التصرفات التي يجيزها الشرع([16]).
وإذا
كانت الجلسة كراء على التبقية منصبة على منفعة ملك عقاري تخول المكتري التمتع بسلطة
الاستعمال والاستغلال وكذا التصرف بجميع أنواع التصرفات دون أن يكون من حق المكتري
أن يفرغه من المحل، فإنه في مقابل ذلك يتحمل التزامات تتعلق بـ([17]):
إصلاح
الأصل أو الرقبة التي منفعتها تحولت إلى الجلسة.
تجهيز
الجلسة بكل ما تتطلبه من تجهيزات، وما تحتاجه من لوازم وآلات ضرورية لما هي معدة له
من تجارة أو صناعة أو غير ذلك.
بأداء
المكتري لوجيبة شهرية أو سنوية بصفة دائمة، سواء شغل الجلسة أو لم يشغلها وساء كانت
الجلسة محل رواج اقتصادي أو محل كساد، فالمكتري ملزم بأداء الوجيبة من غير تماطل وملزم
أيضا بالاستمرار في الإنفاق من أجل صيانة أصل الجلسة وإحاطته بكل ما يجعل منها مكانا
صالحا لنشاط تجاري أو صناعي، ولا يمكنه التحلل من هذه اللالتزامات، إلا إذا تعذرت منفعة
الجلسة بأسباب لا يد لها فيها، ولا طاقة له لدفعها أو تجنبها.
فإذا
أهمل المكتري هذه الالتزامات ولم يوف بها، فإن إخلاله بما التزم به يكون سببا يبرر
به مالك الأصل طلب إفراغ الجلسة، وفسخ عقد الكراء، ويجعله بالتالي على حق في أن يكري
جلسة أصله لمن شاء من غير أن يكون للمكتري حق في الاعتراض على ذلك.
الفقرة
الثانية: حق الجزاء
الجزاء
لغة هو المكافأة والثواب، أما اصطلاحا فالجزاء يعتبر بمثابة ما يؤدى من المال مقابل
البناء فوق أرض تملكها الدولة([18]).
فحق
الجزاء يعتبر من صور الانتفاع التي ترد على أرض فضاء تصلح للبناء أو الزراعة وقد تكون
هذه الأرض في ملكية الدولة أو الخواص أو الحبس، ومن هنا يختلف حق الجزاء عن حق الجلسة
الذي يرد فقط على المحلات المبنية ويرتب هذا الحق لصاحبه أداء واجبات دورية على وجه
الديمومة لفائدة الجهة المكرية([19]).
ويرى
أحد الفقهاء أن الجزاء كراء يجري مجرى الكراء، من أنه لابد فيه من مدة معلومة، ولكن
جرت العادة أن الجزاء يمضي حكمه ويستمر، وسكنت النفوس لذلك([20]).
وهكذا
يتبين أن للجزاء مجموعة من الخصائص منها:
أنه
كراء أبدي يقع على أرض بيضاء أو فيها بناءات مخربة للغرس.
أنه
يحمي المكتري من الفسخ المفاجئ من لدن مالك الأرض بل أنه يصبح بمثابة مالك أرض.
بمجرد
إتمام شروط العقد للمكتري حوز الأرض والتصرف فيها بجميع أنواع التصرفات التي كانت من
اختصاص مالك الأرض.
أن المكتري
ملزم بأن يؤدي كراء المثل مقابل الجزاء.
إذا
ما نوزع في أحقيته في التصرف في الأرض الواقع عليها حق الجزاء، فإنه يستطيع أن يبث
شرعية تصرفاته بالبيانات التي يثبت بها الملاك ملكيتهم.
- أن محل
عقد الجزاء كما يكون أرضا حبسية قد يكون أرضا غير حبسية، كأن يكون في الأرض المملوكة،
على أن يكون لكل من مالك العين ومن له حق الجزاء، حق عيني يمنح مالك العين أي الرقبة
حق التتبع ولصاحب الجزاء حق التبقية والتأبيد.
الفقرة
الثالثة: حق الزينة
هو حق
يقع على قطعة أرضية من أملاك الدولة أو من أملاك الأحباس أو الأفراد يقيم فيه المكتري
بناءات أو تحسينات تشكل حقا عقاريا يعرفا بحق الزينة، كما يمكن أن يرد حق الزينة على
حق الجلسة أيضا([21])، وذلك كأن يكتري شخص محلا فارغا من أي تجهيز فيأتي ثان ويجهزه
بكل التجهيزات الضرورية أو التكميلية، وبذلك تتبعض الجلسة بين شخصين، أحدهما يملك المنفعة
والثاني يملك ما عليها من زينة.
وكراء
حق الزينة كبقية الحقوق العرفية كراء مستمر وإن نص في العقد على أنه لمدة، فإن نية
المتعاقدين متجهة للتأبيد والأمور بمقاصدها، لذلك فإنه وإن نص في العقد على أن الكراء
محدد المدة، فإن القصد عادة في مثل هذا الكراء هو التأبيد.
ويرتب
حق الزينة مجموعة من الالتزامات على عاتق المكتري منها([22]):
أداء
قدر مالي مصطلح عليه بحق "الربطة" في عرف المغاربة، وخلو الرجل عند المشارقة،
قد يطلق عليه عربون، يدفع لمالك العقار أو وكيله قصد استمالته إلى إبرام العقد.
أداء
وجيبة الكراء بصفة منتظمة يمكن الزيادة فيها إذا كان العقد ينص في بند من بنوده على
ذلك.
أداء
الضرائب المفروضة على العقار، والتي كانت تؤدى من قبل المكري وغير ذلك من التحملات
المتعلقة بمجاري المياه، الواد الحار، مد القنوات وصيانتها.
ومقابل
هذه الالتزامات يحق للمكتري أن يقيم ما يريد من الأبنية على الأرض بشرط أن يتقيد في
ذلك بما يكون منصوصا عليه من شروط، اشترطها عليه المكري في العقد.
كما
له أن يتصرف فيما بناه بالبيع أو غيره من أنواع التصرفات الشرعية، وفي حالة فسخ العقد
من طرف المكري فإن للمكتري الحق في التعويض عما يكون قد لحقه من ضرر جراء ذلك.
الفقرة
الرابعة: حق المفتاح
وهو
الحق الذي ينشا للشخص الذي يكتري العقار المبني كالدكان أو الحمام ليستغله على وجه
الدوام([23]) وهذا الحق هو الذي سماه ظهير 19 رجب بلاستئجار في الفقرة 10 من الفصل
8 من ظهير 2 يونيو 1915.
فالتصرف
في منفعة الجلسة والجزاء بطريق المفتاح يجعل الجلسة لا تنتهي ولا تزول وكذلك الجزاء
بل يبقى كل منهما لصاحبه لأن العلاقة القانونية تبقى قائمة بين صاحب حق المفتاح وبين
صاحب الجلسة أو الجزاء، فلا تقوم علاقة بين صاحب المفتاح وبين مالك العقار - إدارة
الأحباس - إلا باتفاق جديد بينهما([24]).
ونشير
انه يمكن أن يكون مالك كل من الجلسة والزينة والمفتاح شخصا واحدا، وذلك كما هو الحال
بالنسبة للشخص الذي يكتري حماما كراء مؤبدا أو يجهزه بلوازم تسييره ويستغله بنفسه أو
يقوم بكرائه بعد تجهيزه لمن يستغله، فصبح هذا الأخير مالكا للمفتاح([25]).
فمن
خلال ما سبق يتضح أن الحقوق العرفية الإسلامية من جلسة وجزاء وزينة ومفتاح([26]) تشكل
أبرز طرق كراء الأملاك الحبسية في ظل قواعد الفقه الإسلامي وهو ما أقره العرف والعلماء
كما سبق بيان ذلك، ونظرا لانتشار الحقوق العرفية الحبسية في المدن العتيقة المغربية،
فقد أقر المشرع المغربي بهذه الحقوق واعتبرها حقوقا عينية بحسب المحل الذي تنسحب عليه
كما أوضحنا ذلك وسماها حقوقا عرفية إسلامية، وفيما يخص تنظيمها، فإن الفصل 106 من ظهير
12 غشت 1913 بشأن التحفيظ العقاري نص في فقرته الأولى: "إن مقتضيات القانون الإسلامي
التي لا تتعارض مع هذا الظهير ولا مع قانون الأحوال الشخصية، ولا مع قواعد العرف لأصحاب
الحقوق العينية تطبق على العقارات المحفظة وعلى الحقوق الراجعة لها في حالة ما إذا
كانت متلائمة مع نوع الحقوق والتحملات المبنية في الرسم العقاري". كما أن الفصل
197 من ظهير 2 يونيو 1915 المتعلق بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة بدوره يسير
في نفس الاتجاه.
ونظرا
لما أصبحت عليه الأحباس العامة في المغرب من ضياع وتفريط خصوصا فيما يرجع للحقوق العرفية
الإسلامية، فإن جلالة الملك محمد السادس عرض على لجنة من العلماء لتنظر في حقيقة هذه
الحقوق، وذلك لحفظها ومراعاة مصالح الأحباس فصدر نتيجة ذلك الظهير الشريف المتعلق بالجزاء
والاستئجار والجلسة والمفتاح والزينة([27]) ليميط اللثام عن الغبن اللاحق بالأحباس،
وليقرر الزيادة في واجب الأحباس في الكراء لأنه مغبون بلا نزاع ولا خلاف، كما قرر أن
بيع تلك المنافع جائز لأربابها حسبما جرى به العرف([28]) ومراعاة لمصلحة الأحباس ورد
في ظهير 10 فصول تعالج أحكام الحقوق العرفية الإسلامية من أهم هذه الأحكام:
أن منفعة
الجزاء وغيره من الحقوق العرفية الإسلامية باقية ثابتة على ما كانت عليه سابق بمن بيده
شيء منها على وجه مسلم في ذلك([29]).
أنه
يسوغ لمن بيده هذه الحقوق أن يتصرف فيها بالبيع ونحوه وفقا لفصول هذا الظهير.
غير
أن من أهم أحكام هذا الظهير ما نص عليه الفصل الثالث حيث جاء فيه أن الكراء المتحصل
من الأملاك التي فيها الجلسة وما عطف عليها يقسم على نسبة سبعون في المائة لصاحب المنفعة
وثلاثون في المائة الباقية لجانب الحبس على حسب ما هو مفصل في باقي الفصول.
إن تقدير
الكراء يكون بواسطة لجنة تعينها إدارة الأوقاف عند اقتضاء ذلك كل ثلاث أعوام([30]).
إن جميع
ما يلزم من الصوائر للبناء والإصلاح في نفس الجلسة والمفتاح وشبههما بخلاف الجزاء والاستئجار،
فإنه يكون على الجانبين بحسب النسب المتقدمة كل في وقته بعد الموافقة مع جانب الأوقاف
وكذلك الضرائب([31]).
بالإضافة
إلى الظهير السابق فقد أجاز القانون من خلال القرار الوزاري المتعلق بتطبيق نظام التحفيظ
العقاري، إقامة رسوم عقارية خاصة تكون في اسم المنتفع أو المتمتع بالإجارة والجلسة
والزينة والهواء .... ([32]).
وتبعا
لذلك، فإنه لا يمكن الاحتجاج بهذه الحقوق إلا إذا تم تسجيلها في الصك العقاري([33])،
كما أن الحقوق العرفية الإسلامية تعتبر من الحقوق التي يمكن أن تشكل رسميا كما يقضي
بذلك الفصل 158 من التشريع المطبق على العقارات المحفظة، الذي جاء فيه أن من بين العقارات
القابلة وحدها للرهون الرسمية: الحقوق العرفية الإسلامية المشار إليها في الفقرة العاشرة
من الفصل 8 من ظهير 2 يونيو 1915 .....
فمن
خلال ما سبق يتضح أن الحقوق العرفية الإسلامية في شكلها الذي رسمه الفقهاء والتنظيم
الذي وضعوه لامتلاكها والتصرف فيها، قد أثار انتقاد بعض الفقه الحديث، فهي في نظرهم
لم تعد قابلة للدوام والاستمرار نتيجة لما عرفته الملكية وفروعها والقوانين المنظمة
لها من تطورات وغزو حضاري قد لا تصمد له الحقوق العرفية على الطبيعة التي هي عليها،
زيادة على أن القيمة الكرائية لهذه الحقوق أضحت لا تتلاءم ومتطلبات السوق العقارية،
وهو ما ينعكس سلبا على الملكية العقارية للأحباس التي تعتبر الركيزة الأساسية لاستثمار
الأموال وتنميتها([34]).
إلا
أن هذه الانتقادات يمكن تجنبها إذا عمل المشرع على إعادة صياغة القوانين التي تنظم
طرق امتلاكها والتصرف فيها وضبط مدة كرائها والالتزامات التي يتحملها المكتري وبيان
حقوق كل من مالكها والدولة والأحباس العامة والمجتمع من ذلك، إضافة إلى اتخاذ كل التدابير
والإجراءات الكفيلة باستغلال هذا الرصيد العقاري استغلالا عقلانيا.
المطلب
الثاني
طرق
كراء العقارات الحبسية في التشريع الوضعي
إذا
كان كراء العقارات الحبسية وفقا لقواعد الفقه الإسلامي يتميز بالدوام والتبقية وفق
ما تجسده الحقوق العرفية الإسلامية، فإن ما نتج عن هذا الكراء من أوضاع ضارة بالعديد
من هذه العقارات حيث اتخذ استغلالها اتجاه عكسيا للمقصود منها، إذ اكتسب المكترون لها
منافع التصرف في هذه الحقوق، مما عاد عليهم بأموال طائلة دون أن يعود أي شيء من ذلك
لصاحب الأصل الذي هو الحبس. الشيء الذي دفع بالمشرع المغربي إلى إسصدار مجموعة من النصوص
التشريعية تقنن كراء عقارات الأحباس، وذلك لتقييد حق المكترين في الانتفاع بما كان
يخوله لهم العرف والفقه وتخليص أملاك الأحباس من الحقوق العرفية الإسلامية. ولعل من
أهم الظهائر الشريفة التي تنظم ضبط كراء الأملاك الحبسية نجد الظهير الشريف المؤرخ
في 16 شعبان 1331 الموافق لـ 21 يوليوز 1913 المتعلق بتحسين حالة الأحباس العمومية([35])
وكذا الظهير الشريف الصادر في متم شهر رجب عام 1335 موافق لـ 1917 في ضبط كراء الأملاك
الحبسة لمدة ثلاث أو ستة أو تسعة أعوام([36]).
وبالرجوع
إلى هذه القوانين يتضح أن عقد الكراء الحبسي عقد شكلي ويتجلى ذلك في مسطرة السمسرة
وإجراءاتها التي تعتمد في تعيين المكتري والوجيبة الكرائية، وكذا في الضمانات التي
تعطى لإدارة الأحباس، بالإضافة إلى الالتزامات المفروضة على طرفي العلاقة الكرائية.
وهكذا
تتبع في كراء أملاك الأحباس لأمد قصير أو متوسط أو طويل مسطرة السمسرة([37]) المنصوص
عليها في الظهيرين أعلاه. إذ جاء في ديباجة الباب الأول من ظهير 21 يوليوز 1913 المتعلق
بالأكرية المعتادة أنه: "تكرى العقارات المبنية كالحوانيت والفنادق والأهرية والحمامات
والديار لمدة عامين بالمناداة العمومية،كما تكرى للحراثة الأراضي الخالية البناء سواء
كانت بداخل المدن أو بخارجها لمدة عام واحد بالمناداة العمومية أيضا، وتقع المناداة
بحسب الشروط المقررة بكراسة الالتزامات التي يطلع عليها كل من يطلبها .... ([38]).
وفي
نفس الاتجاه صار مشروع مدونة الأوقاف المغربي إذ جاء في المادة 159 منه أنه:
"لا تكرى الأموال الموقوفة وقفا عموميا إلا بإذن من السلطة الحكومية المكلفة بالأوقاف،
وعن طريق السمسرة العمومية".
والمجلس
الأعلى بدوره اعتبر مسطرة السمسرة إلزامية في كراء الأملاك الحبسية إذ جاء في أحد قراراته:
"يشكل شططا في استعمال السلطة قرار وزير الأوقاف برفض إبرام كراء ملك حبسي عن
طريق إجراء المزاد العلني بعد أن انتهت مدة كرائه لأن القوانين المنظمة لاستغلال ألأملاك
الحبسية ليس فيها أي استثناء لمبدأ وجوب إبرام الكراء بطريق المزاد العلني ولا شيء
يسمح لإدارة الأوقاف بإبرام الكراء بالتراضي حتى في حالة تجديد كراء محل يستغل في التجارة([39]).
وترجع
أهمية السمسرة إلى حماية العقارات الموقوفة، والوقوف في وجه التلاعب الذي يتم بخصوص
تحديد السومة الكرائية وتمكين السلطة المكلفة بالأوقاف من الحصول على مبالغ تستطيع
بواسطتها مواجهة الصوائر الضخمة التي تنفقها([40]).
ونشير
أن المساطير المتبعة في الكراء لأمد قصير ولأمد بعيد ولأمد متوسط كلها متشابهة مع بعض
الاختلاف في تأليف لجنة السمسرة التي تتركب حسب الباب الأول من ظهير 21 يوليوز
1913 المتعلق بالكراء لأمد قصير([41]) وكذا ظهير 22 ماي 1917 المتعلق بالكراء لأمد
متوسط([42]) من المراقب والناظر وعدلين، وتكون الرئاسة للمراقب، في حين تتكون اللجنة
فيما يخص الكراء لأمد بعيد من القاضي ومراقب الأحباس أو الناظر ومن عدلين، وتكون الرئاسة
للقاضي([43]).
ويرى
أحد الباحثين أن تكون هذه اللجنة في السمسارة التي تجريها الأحباس أصبح عسيرا لأسباب
عملية بالأساس حيث يلاحظ غياب العدول عن لجنة السمسرة بسبب انقراض هذا الصنف من مستخدمي
الأوقاف إما بالوفاة أو التقاعد والاكتفاء بالموظفين الإداريين، مع أن وجود العدول
بالنظارات مفيد للأحباس فيما يتعلق بالإشهاد على المتعاملين معها والذين يتراجع أغلبهم
عن الاتفاق معها فيما يخص استغلالهم للأملاك المحبسة، وذلك أثناء فترة انتظار المصادقة
عل الاتفاق معهم من طرف الوزارة، ولو كان هناك عدول لما كان بإمكان هؤلاء التراجع أو
الامتناع عن تنفيذ ما سبق أن تعهدوا به([44]).
وبالرغم
من أهمية العدول في تركيب لجنة السمسرة، فإن مشروع مدونة الأوقاف قد تخلى عنهم، حيث
لم يشر إليهم في المادة 117 عند تناوله لتركيب لجنة السمسرة، إذ جاء في هذه المادة
"تدير عملية السمسرة لجنة السمسرة وتتركب من
ناظر
الأوقاف رئيسا.
ممثل
عن الإدارة المركزية.
الموظف
المكلف بالحسابات بالنظارة"
ونشير
إلا أنه قبل إجراء السمسرة توجه مطالب خصوصية إلى ناظر الأحباس الذي يبلغها بدوره للإدارة
مرفقة بمجموعة من البيانات المنصوص عليها في ديباجة الباب الثاني من ظهير 21 يوليوز
1913 والمتمثلة في:
تعيين
العقار الموقوف وحدوده ومساحته على وجه التقريب.
أسماء
وصفات طالب السمسرة ومحل سكناه في البلد التي بها العقار.
التزام
الطالب إن قبل مطلبه بدفع قدر مقابل الكراء السنوي المبذول، والمصاريف للناظر لتبتدئ
المزايدة في القد المذكور.
تقرير
الناظر متضمنا لتاريخ إفراغ العقار وقدر كرائه السابق ولحالة الطالب في شأن قدرته على
الخلاص.
ونشير
إلى أن نفس الإجراءات جاء بها مشروع مدونة الأوقاف في الباب المتعلق بالكراء في المادة
162 التي أحالت على المواد 113 إلى 124 منه.
وبمجرد
توصل الإدارة بالطلب تقدم للناظر برأيها في إمكانية الشروع في السمسرة أم لا، وهذا
يوضح مدى الرقابة التي تتمتع بها إدارة الأوقاف في تدبير أملاك الأحباس وحمايتها، خصوصا
وأن الناظر قد لا يستطيع أحيانا أن يعرف قيمة العقار المراد كرائه، وهكذا يتم تجنب
أي غبن أو تدليس على الإدارة.
وإذا
ما وافقت إدارة الأحباس على طلب الكراء فإنها تقوم بشهر ذلك إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص،
حيث أقر المشرع ضرورة الإعلان عن مواعيد وشروط السمسرة قبل إجرائها بمدة كافية لا تقل
عن 20 يوما بالنسبة للعقارات المبنية و 30 يوما بالنسبة لباقي العقارات الأخرى([45])،
سواء تعلق الأمر بالأكرية المعتادة أو لأجل بعيد أو لمدة ثلاثة أو ستة أو تسعة أعوام.
وتتم
عملية إشهار السمسرة عن طريق النشر في الجريدة الرسمية، حيث أوجب المشرع أن يتم تقرير
إجراء السمسرة العمومية بشان كراء العقارات المحبسة في الجريدة الرسمية باللغة العربية
واللغة الفرنسية مرتين، الأولى قبل إجراء السمسرة بشهر واحد، والمرة الثانية قبلها
بـ 15 يوما، لإعلام كل من يهمه الأمر بتاريخ السمسرة وثمن المزايدة والساعة التي ستقع
فيها([46]).
كما
يتم الإشهار عن طريق الدلال وذلك بالمناداة في سوق البلد مرتين تفصل بين كل مرة 8 أيام،
وتعلق الإعلانات بباب مكتب النظارة وغيره من الأماكن، وتنشر أيضا بالجرائد المكلفة
بنشر الإعلانات القانونية والقضائية، بالإضافة إلى ذلك يعطي الناظر جميع البيانات النافعة
لكل من يقدم لمكتبه وله رغبة في ذلك ويطلعه على كراس الشروط، وهو نفس ما نص عليه مشروع
مدونة الأوقاف في المادة 116 منه([47]).
وعند
انصرام مدة الإشهار تفتح السمسرة بالثمن الافتتاحي المحدد ويسلم المحل لأكثر وآخر زائد
على الثمن الذي يعينه الناظر([48])، غير أن هذه المسطرة تقود إلى رفع الثمن بكيفية
تفوق التصور، إذ تصل أحيانا إلى 300% أو 400%، مما كان مقررا له في الأصل من جانب الخبراء،
مما يؤدي إلى عجز المكتري الذي رست عليه السمسرة عن الأداء فيلجأ إلى طلب التخفيض من
القيمة الكرائية أو إغلاق المحل ثم الاختفاء عن الأنظار([49]).
وتقبل
زيادة كل من هو أهل للزيادة على أن يدفع الكراء بالثلاثة أشهر مسبقة، وهكذا عند انتهاء
السمسرة يتعين دفع كراء الثلاثة أشهر الأولى، هذا فيما يتعلق بالكراء لأمد قصير ولأمد
متوسط([50])، أما فيما يخص الكراء للأمد البعيد، فإن على المكتري أن يدفع لناظر الأحباس
كراء سنة ويدفع زيادة قدرها اثنان في المائة من وجه بقية الصوائر([51]).
ونشير
في الأخير إلى أن السمسرة لا تكون نهائية إلى بعد مصادقة إدارة الأحباس عليها، وإذا
لم تصادق عليها فلا يمكن للمكتري أن يدعي بشيء ويرجع له القدر الذي كان وضعه وديعة
سابقا، أما الإدارة فلا تسال عن سبب عدم المصادقة([52]).
وبخصوص
الكراء لأمد بعيد أن للمكتري الحق في تجديده 3 مرات مع زيادة الخمس عن كل مدة على أن
يبين للإدارة أنه صير قدرا يساوي ثمن كراء 5 سنين في البناء والمحلات والغروس([53]).
أما
في حالة الكراء لأمد متوسط أي من عام إلى تسعة أعوام، فإنه يسوغ للمكتري عند انقضاء
كل 3 أعوام أن يعلم عندما تبقى للمدة 3 أشهر، أنه لا يزيد بعدها([54]) وعند انقضاء
المدة يفرغ المحل المكترى دون أن يكون له أي تعويض عن التحسينات التي أدخلها.
المبحث الثاني: آثار كراء العقارات الحبسية وخصوصيتها
إن عقد
الكراء كباقي عقود المعاوضة يرتب التزامات متبادلة بين طرفين، فجوهر الكراء بالنسبة
للمكري هو تمكين المكتري من الانتفاع، وذلك لا يأتي إلا إذا سلمه الشيء المكترى ومتعلقاته
والتزم بصيانته وبضمان انتفاعه الهادئ والعادي به، وبالمقابل فإن المكتري يلزم باستعماله
العين المكتراة فيما أعدت له، والمحافظة عليها وردها بعد انتهاء العقد بالإضافة إلى
دفع الأجرة طيلة سريانه([55]).
وإذا
كان عقد الكراء الحبسي بدوره يرتب التزامات بين طرفي المكري والمكترى، فإنه مع ذلك
ليس كباقي العقود العادية، فهو عقد من نوع خاص يجمع بين طرفين أولهما: إدارة الأوقاف
وهي تمثل مصلحة عامة دينية واجتماعية وتشكل ولاية عن المحبسين وعن ما استلزموه من شروط
تستدعي العناية بالوقف، وثانيهما هو المكتري من الأحباس قد لا يعرف أهمية وحرمة الوقف،
وقد يماطل في أداء الوجيبة الكرائية أو يفوت العقار إلى الغير([56])، الشيء الذي جعل
هذا الكراء محط اهتمام خاص ومميز من طرف القوانين والظهائر المنظمة له، حيث منحت جملة
من الامتيازات والضمانات لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وهي عبارة عن شروط والتزامات
تفرضها على المكتري.
فهذه
الامتيازات والضمانات التي تتمتع بها الأحباس تمثل خصوصيات كراء العقارات الحبسية التي
تتأسس على خلفية أن عقود الكراء الحبسي تستغرق زمنا قد يطول ويستمر، الأمر الذي قد
يعرض العقار المحبس لسوء الاستغلال أو للتفويت أو للتقاعس على أداء وجيبية الكراء مما
تتعطل معه المنفعة المرجوة منه ويؤدي إلى تقليص العائدات الحبسية، وهكذا سنقسم هذا
المطلب على الشكل التالي:
1- المطلب
الأول: آثار كراء العقارات الحبسية.
2- المطلب الثاني: امتيازات وخصوصيات الكراء الحبسي.
المطلب
الأو: آثار
كراء العقارات الحبسية
إن دراسة
آثار كراء العقارات الحبسية تستلزم تناول التزامات كل من طرفي العلاقة الكرائية، إدارة
الأحباس والمكتري، وإن كانت الالتزامات الأساسية هي تلك المفروضة على المكتري من الأحباس.
الفقرة
الأولى: التزامات إدارة الأحباس باعتبارها المكري
نص المشرع
المغربي في الفصل 635 من ق.ل.ع على التزامين أساسيين يلتزم بهما المكري، حيث جاء فيه:
"يتحمل المكتري بالتزامين أساسيين:
1/ الالتزام
بتسليم الشيء المكترى للمكتري.
2/ الالتزام
بالضمان.
1/ الالتزام
بتسليم الشيء المكترى للمكتري:
أحال
المشرع المغربي فيما يخص أحكام تسليم الشيء المكتري على الأحكام المقررة لتسليم الشيء
المبيع في عقد البيع([57])، وبالرجوع إلى أحكام هذا الأخير يتضح أنه عندما يتعلق الأمر
بعقارات، فإن تسليمها يتم عن طريق التخلي عنها([58])، أي تخلي المكري للمكتري عن العقار
المكري، وفيما يخص باقي ظروف التسليم - زمن ومكان التسليم - فإن الاتفاق حولها يتم
عن طريق اتفاق الطرفين.
وقد
أضاف المشرع: "أن المكتري يلتزم بتسليم العين وملحقاتها، وبصيانتها أثناء مدة
الإيجار في حالة تصلح معها لأداء الغرض الذي خصصت له وفقا لطبيعتها، ما لم يشترط الطرفان
غير ذلك، وفي كراء العقارات تقع الإصلاحات البسيطة على المكتري، إذ قضى عرف المكان
بذلك([59]). كما أضاف الفصل 642 من ق.ل.ع.م أن المكتري يلتزم بدفع الضرائب وغيرها من
التكاليف المفروضة على العين المكراة ما لم يقض العقد أو العرف بخلاف ذلك.
وإذا
كانت تلكم أهم أحكام الكراء العادي، فما موقف التشريع الكرائي الحبسي منها؟
بالرجوع
إلى أحكام الكراء الحبسي نجدها تختلف تماما عن إحكام الكراء العادي، فبالنسبة للتسليم،
فإنه لا يتم باتفاق الطرفين، وإنما وفق ما هو محدد في مسطرة السمسرة وبعد أن تصادق
إدارة الأحباس بكيفية نهائية على هذه السمسرة. وفي حالة التأخير عن تسليم المحل المكتى،
فإن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لا تتحمل أي مسؤولية في هذه الحالة، ولا يبقى
للمكتري سوى استرجاع كراء مدة التأخير من الكراء المسبق، وهذا ما أكده الشرط السابع
من الباب الأول من ظهير 21 يوليوز 1913 الذي جاء فيه: "لا تتحمل الإدارة بأية
مسؤولية كانت في شأن حوز المحل الذي ربما يتأخر حوزه عن المكتري لبعض الأسباب، ولكن
إن وقع ذلك فيسترجع المكتري الكراء مدة التأخير"([60]).
كما
أن مكتري الأملاك الحبسية يلتزم بقبول المحل المكترى على الحالة التي عليها من غير
أن يطلب أدنى تغيير فيه([61])، إذ يمنع على المكتري أن يجري أي بناء أو غرس أو إصلاح
أو تغيير في المحل المكرى إلا بإذن من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية([62]).
وحتى
بعد إذن إدارة الأحباس فإن تلك التغيرات تبقى للأحباس من غير أدنى تعويض عليها، وليس
للمكتري هدمها أو إزالتها عند انتهاء مدة الكراء، وهذا ما أكد عليه الشرط العاشر من
الباب الأول من ظهير 21 يوليوز 1913([63]).
بالإضافة
إلى كل ما سبق، فإن التشريع الكرائي الحبسي يجعل جميع الضرائب المترتبة حالا أو مستقبلا
على محل الكراء، على عاتق المكتري، وذلك وفق الشرط الحادي عشر من الباب الأول من ظهير
21 يوليوز 1913، الذي جاء فيه: "جميع الضرائب المترتبة الآن والتي ستترتب في المستقبل
تكون على المكتري"([64]).
2/ الالتزام
بالضمان:
إذا
كان المكتري في الكراء العادي يضمن للمكتري انتفاعا هادئا مستقرا، حيث يسأل عن كل ما
من شأنه أن يحول دون هذا الانتقاء، أو يعكره أو ينال منه، فهو بذلك ضامن عدم تعرضه
الشخصي أو تعرض أتباعه، أيا كان نوع هذا التعرض، ويضمن كذلك التعرض القانوني الصادر
عن الغير، كما يضمن العيوب الخفية التي تلحق بالشيء المكتري([65])، فهل نفس الالتزامات
تتحملها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عند كرائها للأملاك الحبسية؟
إن التزام
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية فيما يتعلق بالضمان يبقى التزاما محدودا في إطار التشريع
الحبسي، إذ جاء في الشرط السابع من الباب الأول من ظهير 21 يوليوز 1913 أنه:
"لا تتحمل الإدارة بأي مسؤولية كانت في شأن المحل الذي ربما يتأخر حوزه عن المكتري
لبعض الأسباب....." ([66]).
وإذا
كان المكتري في الكراء العادي ملزم بضمان العيوب الخفية وفق ما نص عليه الفصل 654 من
ق.ل.ع الذي جاء فيه: "يضمن المكري للمكتري كل عيوب الشيء المكترى التي من شأنها
أن تنقص من الانتفاع به إلى حد ملموس ...."، حيث خول المشرع للمكتري في حالة توفر
الضمان، إما أن يطلب فسخ العقد أو إنقاص الكراء، وقد يثبت له التعويض في بعض الحالات([67]).
فإنه
بالنسبة للكراء الحبسي نجد المشرع نص بصراحة على أن إدارة الأحباس لا تضمن الأرض المكراة،
وحتى إذ وقع فيها غلط يزيد على السدس فيجوز للمكتري فقط أن يطلب الفسخ الاتفاق الواقع
في الكراء من غير أداء غرامة([68]).
كما
أن المشرع نص على أنه "يبقى الحق دائما للأحباس في تسليم بعض الأراضي المكراة
أو جميعها لإدارة الأشغال العامة من غير أن يدعي المكتري بأدنى دعوى على ذلك
..." ([69]).
وهكذا
لا يتصور إقامة دعوى التعويض على الأحباس من قيل المكتري في حالة تفويض عقار من الأملاك
المحبسة([70]) وكل ما يبقى للمكتري هو فسخ الكراء من غير أداء شيء على الطرفين أو إنقاص
شيء من الكراء إذ اختار البقاء على كرائه.
فكل
هذا يوضح مدى محدودية التزام مسؤولية الأوقاف والشؤون الإسلامية بالضمان، إن لم نقل
انعدام الضمان أساسا.
الفقرة
الثانية: التزامات المكتري
يلتزم
المكتري مقابل تمكينه من الانتفاع العادي والهادئ بالعين المكتراة بدفع الأجرة، واستعمال
العين فيما أعدت له والمحافظة عليها ثم ردها إلى المكري عند انقضاء الكراء([71])، وهو
ما أكده المشرع المغربي في قانون الالتزامات والعقود من خلال الفصلين 663 و 675 منه.
وهكذا
جاء في الفصل 663 من ق.ل.ع.م أنه: "يتحمل المكتري بالتزامين أساسين:
أن يدفع
الكراء.
أن يحافظ
على الشيء المكترى، وأن يستعمله بدون إفراط أو إساءة وفقا لإعداده الطبيعي، أو لما
خصص له بمقتضى العقد".
أما
الفصل 675 من ق.ل.ع.م فقد نص على أنه: "يلزم المكتري برد العين عند القضاء الأجل
المحدد ..." وبالإضافة إلى هذه الالتزامات المفروضة على المكتري وفقا للقواعد
العامة، فإن هناك التزامات أخرى مفروضة عليه طبقا للقواعد الخاصة المنظمة للكراء الحبسي
وهى على الشكل التالي:
1/ التزام
المكتري بدفع أجرة الكراء
من المسلم
أن الأجرة تعد ركنا جوهريا في عقد الكراء، وقد اعتبرها المشرع المغربي أولى الالتزامات
الأساسية التي يتحملها المكتري ورتب عن الامتناع أو التأخير في الوفاء بها إمكانية
فسخ العقد وإخلاء المكتري من العين([72])، فالأجرة هي محل التزام المستأجر ويجب أن
تتجه إرادة المتعاقدين إلى قيام المستأجر بالوفاء بالأجرة حتى ينعقد العقد، وإذا لم
يتفق على ذلك.
صراحة
أو ضمان فالإيجار لا ينعقد([73])، وذلك سواء في عقد الكراء العادي أو عقد الكراء الحبسي،
وإن كان هناك اختلاف في كيفية تحديدها وأدائها، ففي الكراء العادي فإن تحديد الأجرة
وطريقة أدائها يتم بتراضي الطرفين، وذلك في ظل مبدأ سلطان الإدارة ووفقا لقانون العرض
والطلب([74])، أما في الكراء الحبسي فإن تحديد الأجرة يتم عن طريق السمسرة كما سبق
توضيح ذلك، وفيما يخص طريقة الأداء فإن المشرع نص، في الشرط الخامس من الباب الأول
من ظهير 21 يوليوز 1913 على: "إن لم يدفع المكتري كراء أي ثلاثة أشهر كانت، بعد
تأجيله ثمانية أيام فللإدارة الحق في فسخ كرائه، زيادة على محاكمته في التقاعس عن الدفع([75]).
وهذا
ألزم التشريع الكرائي الحبسي المكترى بالنسبة للكراء القصير الأمد والمتوسط بدفع الكراء
تسبيقا عن كل ثلاثة أشهر، فإذا تراخى المكتري عن ذلك حق للإدارة فسخ كرائه زيادة على
حقها في المطالبة بالتعويض، أما بالنسبة للكراء الطويل الأمد، فإن الكراء يؤدى عند
انقضاء ستة أشهر من كل سنة([76]).
2/ التزام
المكتري بقبول المحل على الحالة التي يوجد عليها، دون إحداث أي تغيير فيه
إذا
كان المشرع المغربي طبقا للقواعد العامة للكراء الواردة في ق.ل.ع.م، قد فرض على المكتري
التزاما بتسليم المحل المكرى صالحا للاستعمال سواء عند إبرام العقد أو أثناء سريانه،
وسمح للمكتري بإصلاح العين المكراة وخصم مصاريف الإصلاح من الوجيبة الكرائية، إذ كان
المحل المكرى يستوجب ذلك([77]).
فإن
التشريع الكرائي الحبسي سواء في ظهير 21 يوليوز 1913 أو ظهير 22 ماي 1917 لا يلزم وزارة
الأوقاف والشؤون الإسلامية بتسليم المحل وفق شروط معينة، بل على العكس يوجب على المكتري
بقبول المحل المكرى له على الحالة التي يكون عليها([78]) دون أن يكون له الحق في إحداثه
أي تبديل أو تغيير في المحل المكرى له ولو من ماله الخاص، إلا إذا حصل على إذن بذلك
من إدارة الأحباس([79]) وقد سار مشروع مدونة الأوقاف المغربي على النهج إذ جاء في المادة
167 من نفس المشروع على أنه: "يتعين على المكتري ألا يحدث بالعين المكتراة تغييرات
من ماله إلا بإذن مكتوب من إدارة الأوقاف....".
ويرى
أحد الباحثين أن إقرار التشريع الحبسي لهذا الشرط فيه حماية كبرى للعقارات الموقوفة،
حيث أنه حتى في حالة ما إذا أذنت الإدارة للمكتري بإحداث تغييرات في المحل المكرى،
فإن المكتري يتحمل مصاريف الإصلاح والتعديل الذي سيجريه على المحل بدون أن يرجع على
إدارة الأحباس([80])، وهو ما أكده الشرط العاشر من الباب الأول من ظهير 21 يوليوز
1913 الذي جاء فيه: "إن أذنت الإدارة للمكتري بتغيير شيء في المحل المكرى له،
فإن تلك التغييرات تبقى للأحباس من غير أدنى تعويض عليها ولا قدرة للمكتري على هدمها
أو إزالتها عند انتهاء مدة الكراء".
أما
إذا أدخل المكتري تغييرات على العين المكراة دون إذن من إدارة الأحباس، فإن ذلك يعتبر
دعامة كافية للحكم بالإخلاء دون اعتبار الإدارة متعسفة في استعمال الحق على أساس أن
التغيرات رتبت ضررا بالعين إذ أدت إلى التقليل من الانتفاع كما حسبها مالكها([81]).
3/ التزام
المكتري بالمحافظة على المحل
إن من
أهم الالتزامات الملقاة على عاتق المكتري والمنصوص عليها في القواعد العامة المنظمة
للكراء نجد المحافظة على المحل المكترى واستعماله فيما أعد له دون إفراط أو إساءة وفقا
لإعداده الطبيعي أو لما خصص له بمقتضى العقد، وهو ما أكده الفصل 663 من ق.ل.ع.م.
ونظرا
لأهمية هذا الالتزام في حماية العقارات المكراة بصفة عامة والعقارات الحبسية بصفة خاصة،
من ظهير 21 يوليوز 1913، أنه يجب على المكترى أن يتصرف في المحل المكرى له تصرفا حسنا
ليرجعه إلى الأحباس على حالة حسنة عند انقضاء مدة الكراء"([82]).
ويعتبر
من قبيل التصرفات الحسنة استعمال العقار فيما أعد له بدون الإضرار به بأي وجه من الوجوه([83])،
كما يدخل في إطار التصرف الحسن عدم الإفراط في استعمال العين المكتراة، إذ يلتزم عناية
الشخص المعتاد([84])، وذلك بتفادي الاستعمال السيئ للعين، والمقلق للراحة أو المنافي
للآداب العامة أو استعمال الضار بالصحة أو بسلامة المبنى([85]).
إضافة
إلى ذلك، يندرج في إطار التصرف الحسن عدم ترك العين دون استعمال، إذ يلتزم المكتري
باستعمالها فعليا إذ كان من شأن هجرها أن يضر بها، وهذا يتحقق عمليا بعدم اعتمار المسكن
لفترات طويلة، دون أن يسخر المكتري من يتعهد بالعناية والصيانة، وهكذا يعتبر هجر المسكن
المؤرخ وعدم استعماله من قبيل الإهمال المبرر للفسخ([86]) وهو ما أكده المشرع المغربي
في الفصل 692 من ق.ل.ع.م([87]).
وهكذا
يتعين على مكتري العقارات الحبسية عدم الإفراط في استعمال العين المكراة وإنما استعمالها
فيما أعدت له استعمالا فعليا دون إهمال أو هجر، وهذا ما أكد عليه القضاء المغربي إذ
جاء في حكم استعجالي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية بالدار البيضاء في جوابه على
طلب يرمي إلى استرجاع أحد المحلات الحبسية لتركه مغلقا، أنه: "وحيث أن المعاينة
القضائية المأمور بها للتأكد أكثر والوقوف على الحالة الداخلية للمحل والمنجزة بتاريخ
18/04/2005، تفيد أنه لا حركة ولا حياة و لا يتردد عليه أحد وتبين انعدام الماء والكهرباء
ووجود الغبار وأعشاش العنكبوت وانعدام أي أثاث .... وبعد الاستماع إلى السيد قابض الأحباس
المكلف بالمحل صرح أن المحل مغلق منذ سنتين ولا يتردد عليه أحد ...، وحيث يظهر من خلال
ذلك أن المكتري قد غادر المحل، مما يفيد ضمنيا وظاهريا أنه تخلى عنه بصفة نهائية....
مما ينبغي الاستجابة للطلب"([88]).
ونظرا
لكل ما سبق ولأهمية الالتزام بالمحافظة على العين المكتراة فقد نص مشروع مدونة الأوقاف
بدوره على هذا الالتزام، ذلك من خلال المادة 170 منه التي جاء فيها: "يلزم المكتري
بأن يبذل في حفظ العين المكتراة العناية التي بذلها في حفظ أمواله، فإن أهمل أو قصر،
ونتج عن ذلك ضرر بها التزم بتعويض هذا الضرر".
4/ الالتزام
بعدم توليه المحل المكرى
يقصد
بالتولية كراء المكتري الأصلي للمحل الموجود تحت يده إلى شخص ثاني يسمى المكتري الفرعي
الذي يلتزم اتجاه المكتري الأصلي بجميع الالتزامات المنصوص عليها في العقد ويظل المكتري
الأصلي ملتزما اتجاه صاحب الملك([89]).
وإذا
كانت القواعد العامة للكراء العادي تقر للمكتري حقا شخصيا على العين المؤجرة، وما يمكن
أن يرد على الحقوق الشخصية من تصرفات قانونية إذ يجوز نقله إلى الغير معاوضة أو تبرعا،
ويجوز رهنه حيازيا، كما يجوز استغلاله عن طريق تأجيره من الباطن أو النزول عنه([90])،
فللمكتري أن يتنازل أو يكري من الباطن ما اكنراه وهذا ما نص عليه الفصل 668 من ق.ل.ع.م
من أن "للمكتري الحق في أن يكري تحت يده ما اكتراه وأن يتنازل عن عقد الكراء لغيره،
بالنسبة إلى الشيء كله أو بعضه، إلا إذا حجر عليه ذلك في العقد أو اقتضته طبيعة ما
اكتراه...".
فإن
الرجوع إلى التشريع الكرائي الحبسي نجد أن المشرع قيد حق المكتري في التصرف في المحل
المكرى بالتنازل عنه أو توليه أو إحالته للغير، بضرورة الحصول على إذن مكتوب من إدارة
الأحباس، حيث جاء في الشرط الثاني عشر من الباب الأول من ظهير 21 يوليوز 1913 أنه:
"لا يسوغ للمكتري أن يحيل أو يكتري للغير جميع المحل المكرى له أو بعضه إلا بإذن
كتابه من إدارة الأحباس وإلا فالإدارة تفسخ كراءه ويخرج من المحل من غير أن يرجع له
الكراء المسبق للأحباس"([91]).
وقد
سار مشروع مدونة الأوقاف المغربي في هذا الاتجاه إذ جاء في المادة 168 منه أنه:
"لا يجوز للمكتري توليه الكراء ولا الكراء من الباطن، إلا بإذن كتابي من إدارة
الأوقاف في جميع الأحوال وكل تصرف مخالف يقع باطلا، ويكون سببا في فسخ عقد الكراء الأصلي.
يعتبر
المتنازل له كلا أو جزء محتلا بديون سند، ويجوز طرده بأمر استعجالي، كما تجوز مطالبته
مباشرة بما ترتب للإدارة من ديون على المكتري الأصلي في حدود ما تبقى في ذمته لفائدة
هذا الأخير".
كما
أكد المجلس الأعلى بدوره هذا التزام في معرض جوابه على نقض تقدمت به إدارة الأحباس
ضد قرار استئنافي برفض طلب الإدارة الرامي إلى إفراغ المكتري لكونه أكرى من تحت يده
أو أحال حق الكراء إذ جاء في هذا القرار: "فمن حيث النقطة الأولى يقدر المجلس
الأعلى أنه لابد للمكري من أن يثبت مباشرة وقوع إحالة حق الكراء أو الإكراء الفرعي،
أما مجرد إسكان المكتري أخته الأيم في البيت الذي هو محل العقد فلا يمكن اعتباره دليلا
كافيا على وقوع الإحالة أو الإكراء الفرعي،.... وقد يكون الأمر على عكس ذلك فيما لو
أسكن شخصا آخر لا تربطه به أية قرابة، بحيث يعتبر مثل هذا الإسكان قرينة كافية على
إحالة حق الكراء أو الإكراء الفرعي"([92])، فمن خلال مفهوم المخالفة لقرار المجلس
الأعلى هذا يتضح أنه حتى تتم الاستجابة لطلب إفراغ المكتري بسبب توليه حق الكراء، يتعين
أن يكون المكتري الفرعي شخصا آخر على تربطه أية قرابة بالمكتري الأصلي، ويقع إثبات
وقوع إحالة حق الكراء على المكتري.
غلا
إنه ورغم هذه المقتضيات، فإنه من الناحية العملية يتبين أن توليه الكراء في الأملاك
الحبسية والتخلي عنه يتزايد بنسبة كبيرة لكثرة هذه الأملاك ولأجرتها البخسة، الشيء
الذي يجعل الإقبال كبيرا على كرائها من الباطن أو حوالتها إلى الغير، وغالبا ما يستعمل
هذا الأساس عند رفع دعوى الإفراغ ضد المكتري الذي أحال حق الكراء لشخص آخر، ولا يمكن
استخدام هذا الأساس أو تفعيله غلا إذا أثبتت وزارة الأوقاف الإحالة أو التولية بدليل
واضح لا تشوبه شائبة والحال أن مكتروا الأملاك الحبسية يعتمدون غالبا عند بيع المفتاح
غلى كتابة وكالة أو نيابة لمن يبيعون لهم المفتاح تنزلهم منزلة الجراء أو من يكلفون
بتسيير تجارتهم، يقدمونها لمفتشي الوزارة أو الأعوان القضائيين عند اتخاذ إجراء لإثبات
الحالة، وفي نفس الوقت تتم كتابة فسخ لهذه الوكالة أو النيابة يحتفظ بها مشتري المفتاح
ضمانا لحقه لمواجهة المكرى الأصلي([93]).
واعتبار
لكل ما سبق، ولرفع الضرر الذي يلحق إدارة الأحباس، اتخذت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
بالمغرب أسلوبا جديدا لمعالجة حالات التولية، ويتمثل ذلك في استخلاص "غبطة مالية"
من المكترين الأصليين لتلك المحلات الحبسية أو من المعتمرين لها يتم تحديد مبلغها حسب
القيمة الكرائية للمحل تفاديا لكل غبن، علاوة على الزيادة في مبلغ الكراء الشهري([94]).
5/ التزام
مكتري العقارات الموقوفة بأداء الضرائب الواجبة على العقار المكترى
طبقا
للقواعد العامة للكراء العادي يلتزم المكري بدفع الضرائب وغيرها من التكاليف المفروضة
على العين المكتراة ما لم يقضي العقد أو العرف بخلاف ذلك([95]) وإن كانت ضريبة النظافة
ما تزال محل جدل وخلاف قضائي وفقهي بخصوص من يتحمل تكاليفها([96]).
غير
أنه بالرجوع إلى التشريع الكرائي الحبسي نجد أن المشرع جعل الضرائب المفروضة على العقار
والتي ستفرض فيما بعد على عاتق المكتري، ويظهر هذا الالتزام جليا من خلال الشرط الحادي
عشر من الباب الأول من ظهير 21 يوليوز 1913 الذي نص على أن: "جميع الضرائب المترتبة
الآن و التي ستترتب في المستقبل تكون على المكتري([97])".
ونفس
المقتضى نصت عليه المادة 171 من مشروع مدونة الأوقاف، حيث جاء فيها: "يتحمل المكتري
الضرائب والرسوم التي تفرض على العين المكتراة بكيفية دورية".
كانت
تلكم أهم الالتزامات التي يفرضها التشريع الكرائي الحبسي على مكتري الأملاك الحبسية،
والتي توضح بجلاء مدى الامتيازات التي تتمتع بها لإدارة الأحباس في مواجهة مكتري أملاكها،
والتي تجعل عقد الكراء الحبسي عقد إذعان([98]).
المطلب
الثاني
امتيازات
وخصوصيات الكراء الحبسي
من خلال
دراستنا لالتزامات أطراف العلاقة العقدية للكراء الحبسي تبين أن وزارة الأوقاف والشؤون
الإسلامية لها امتيازات وضمانات كثيرة يخولها لها التشريع الكرائي الحبسي ويمكن تلخيص
أهم هذه الامتيازات في:
انعقاد
أكرية العقارات الحبسية عن طريق السمسرة وفي ذلك حماية وضمانه للأحباس كما أن صوائر
السمسرة يتحملها المكتري.
امتياز
التسبيق الذي تتمتع به إدارة الأحباس، إذ تضمن بموجبه حصولها على أداء المدة الأخيرة
من الكراء.
امتياز
إدارة الأحباس بفسخ عقد الكراء في حالة عدم أداء الأجرة الكرائية، إضافة إلى حقها في
التعويض.
ضرورة
قبول المكتري على الحالة التي يوجد فيها، إذ يمنع عليه إحداث أي تغيير في المحل المكترى،
حتى في حالة رغبته في إحداث تغييرات يلزمه إذن كتابي من إدارة الأوقاف، إضافة إلى امتياز
عدم التزام الوزارة بدفع تعويض عن هذه التغييرات والإصلاحات.
عدم
ضمان إدارة الأحباس لمساحة الأرض المكتراة إذ وقع فيها غلط.
إعفاء
إدارة الأحباس من أداء الضرائب وجعلها على عاتق المكتري.
منع
التولية في الكراء، حيث يتعين إخبار الوزارة كلما أراد المكتري إحالة المحل تحت طائلة
فسخ العقد.
اعتبار
حكم القاضي في النزاعات المتعلقة بالأكرية نهائيا، ولا يحق للمكتري طلب استئناف الحكم([99]).
إن هذه
الامتيازات التي يضمنها الكراء الحبسي لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لا يمكن أن
تكون ناتجة فلا عن خصوصيات التشريع الكرائي الحبسي الذي يتضح من خلال الظهائر المنظمة
له أنه قانون خاص واجب التطبيق قبل القانون العام الذي هو ق.ل.ع، و لا يطبق هذا الأخير
فلا في حالة سكوت النص الخاص، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته التي
جاء فيها:
"ظهير
الالتزامات والعقود لا يطبق على عقود الكراء المبرمة مع الأحباس وغنما تطبق عليها القوانين
الخاصة"([100]).
ويرى
أحد الباحثين أن قرار المجلس الأعلى هذا وإن جاء على إطلاقه، فإنه يجب أن يقيد ببعض
الحالات التي سكت عنها القانون الخاص المنظم لكراء الأحباس ويتعين الرجوع في شأن ما
يمكن أن يثار حولها من نزاع إلى القانون العام الذي نظمها وهو قانون الالتزامات والعقود([101]).
ومن
هذه الحالات نجد ما نص عليه المشرع المغربي في الفصل 698 من ق.ل.ع الذي جاء فيه:
"لا يفسخ
الكراء بموت المكتري ولا بموت المكري إلا أنه:
أولا:
الكراء الذي يبرمه المستحق في ملك محبس يفسخ بموته.
ثانيا:
الكراء الذي يبرمه من بيده الشيء بدون موجب يفسخ بموته".
فبخصوص
انقضاء الكراء الحبسي بموت المكتري المستحق في ملك حبسي لم يرد بخصوصه ذكر في التشريع
الكرائي الحبسي الأمر الذي لابد من تطبيق مقتضيات ق.ل.ع.
كما
أن من بين الخصائص المميزة للكراء الحبسي نجد أن مقتضيات ظهير 24 ماي 1955، المتعلق
بعقود كراء الأملاك أو الأماكن المستعملة للتجارة أو الصناعة أو الحرف لا تطبق على
الأملاك التابعة للأحباس والخالية من حقوق المنفعة، كما لا يطبق على الأملاك والأماكن
المشاعة التي تكون الأحباس فيها مالكة لفوائد تمثل أغلبية ثلاثة أرباع منها([102]).
ويرى
أحد الباحثين([103]) أن المقصود بحقوق المنفعة حسب نص الفصل 4 من ظهير 24 ماي 1955
هي حقوق الجلسة والزينة والمفتاح، وأن عقد الكراء الذي يبرمه صاحب الجلسة أو غيرها
من الحقوق السابقة الذكر هو الذي يسمح بتطبيق ظهير 24/05/1955.
وهو
ما أكدته محكمة الاستئناف التجارية بفاس عندما قضت بإلغاء حكم المحكمة التجارية بوجدة
الذي قضى بعدم الاختصاص النوعي للبت في طلب أداء بقية ثمن بيع مفاتح المحل الكائن بقيسارية
ابن التاج وواجبات كرائه([104])، إذ جاء في قرار محكمة الاستئناف التجارية بفاس ما
يلي: حيث أنه من الثابت حقا من عقد الوعد بالبيع أساس الإدعاء أن البيع على المفتاح
محل معد لنشاط تجاري وهو ما يجعل المحكمة التجارية مختصة للبت في النزاع القائم بين
الطرفين بخصوص المحل المذكور عملا بمقتضيات المادة الخامسة من قانون إحداث المحاكم
التجارية التي جاءت صريحة في أن المحكمة التجارية مختصة للبت في النزاعات المتعلقة
بالأصول التجارية([105]) أما عقد الكراء الرابط بين الأحباس والمكتري فلا مجال لتطبيق
ظهير 24/05/1955 عليه سواء كان للمكتري في هذه الحالة حق الجلسة أم لا([106])، وفي
هذا الاتجاه ذهبت محكمة الاستئناف التجارية بفاس إذ جاء في أحد قراراتها: "أمام
عدم خضوع أملاك الأحباس لمقتضيات ظهير 24/05/1955، إذ لا يجوز للمكتري أن يتمسك ضد
إدارة الأحباس بمقتضياته، ويمنع عليه بيع الأصل التجاري لعدم توفره على عنصر الكراء
المذكور أعلاه، وبالتالي ينعدم وجود أي أصل تجاري في هذه الأملاك فالمكتري لا يكتسبه
وحتى الغير لا يمكنه المطالبة ببيعه"([107]).
وهكذا
يتضح أن المكتري ينتفع بمقتضيات ظهير 24/05/1955 إذ تم الكراء من طرف صاحب الجلسة أو
غيرها من الحقوق العرفية الإسلامية في عقار تملكه إدارة الأحباس.
وهنا
تساءل أحد الأساتذة([108]) عن السبب الذي يبرر وجود تقربه في أعما أحكام الظهير الواحد
أي ظهير 24 ماي 1955 بين وضعيتين قانونيتين متماثلتين، كيف نطبق أحكام الظهير على الأملاك
والأماكن التابعة للأحباس والمتعلقة بالحقوق التقليدية للمنفعة، ولا نطبقها على تلك
الخالية من هذه الحقوق؟.
يجيب
الأستاذ أنه: "قد يقال أن وجود الأصل التجاري يرتبط أساسا برهنه، وهو ما يؤدي
إلى زوال الوقف عند العجز عن أداء الدين وبيع الموقوف سدادا للرهن علما بأن المرهون
هو حق الملكية التجارية وليس حق الملكية العقارية وهو ما يعبر بالاصطلاح الفقهي بالحق
في الغلة وليس الحق في الرقبة، وفي هذا يضيف لاستيعاب نظام كراء العقارات الحبسية للوضعية
القانونية المترتبة عن كراء المحلات التجارية([109]).
وفي
رأيي المتواضع أن إتجاه المشرع هذا آت بالأساس من الطبيعة الخاصة للأملاك الحبسية وأنظمتها
الخاصة المستمدة من أمرين: أولهما فلسفة المشرع وتوجهه نحو حماية الأملاك الحبسية وذلك
في أكثر من محطة تشريعية ومنها ظهير 24 ماي 1955، والأمر الثاني هو احترام إرادة المحبس،
وهكذا لا يتصور تطبيق ظهير 24 ماي 1955 على عقارات الأحباس الخالية من حقوق المنفعة،
ولا على الأملاك والأماكن المشاعة التي تكون الأحباس فيها مالكة لفوائد تمثل أغلبية
ثلاثة أرباع منها.
إضافة
لما سبق نتساءل عن إمكانية تطبق مقتضيات ظهير 25/12/1980 المنظم لأكرية أماكن السكنى
والاستعمال المهني([110]) على العقارات الحبسية مادام أن كراء هذه الأخيرة بدوره قد
ينصب على هذه الأماكن، أم أن خصوصيات الكراء الحبسي تقتضي عدم خضوع عقارات الأحباس
لهذا الظهير؟.
جاء
في الفصل الأول من ظهير 25/12/1980 أنه: "تطبق مقتضيات هذا القانون على أكرية
الأماكن المعدة للسكنى أو للاستعمال المهني التي ليس لها طابع تجاري صناعي أو حرفي،
أينما كان موقعها، وكيفما كان تاريخ بنائها إذ لم تكن خاضعة لتشريع خاص".
فمن
خلال عبارة "إذ لم تكن خاضعة لتشريع خاص" يتضح أن الكراء الحبسي مستثنى من
مقتضيات هذا الظهير مادام يخضع لتشريع خاص، وهو ما أكده الأستاذ "محمد بونبات"،
حيث أكد على أن ظهير 25/12/1980 لا يطبق على كراء الأملاك الحبسية سواء كانت للسكنى
أو للاستعمال المهني لأنها منظمة بمقتضى الضوابط الحبسية بتاريخ 21/07/1913([111]).
كما
أن أهم مقتضى جاء به ظهير 25/12/1980 هو مراجعة السومة الكرائية، إذ يعطى لأطراف العلاقة
الكرائية بعد مرور ثلاثة سنوات من إبرام العقد أو من تاريخ أخر مراجعة للوجيبة الكرائية،
الحق في طلب مراجعة السومة الكرائية، وهذا شيء غير متصور في إطار الكراء الحبسي.
وقد
سارت المحكمة الابتدائية بمراكش في هذا الاتجاه، إذ جاء في حكم لها: "حيث أن عدم
سلوك مسطرة المزاد العلني المنصوص عليها في الظهير لا يمكن إطلاقا أن يتخذ ذريعة لتعطيل
أحكام هذا الظهير خصوصا وأنه لم يرد ضمن أي طريقة لمراجعة الكراء، وأن كل ما نصت عليه
بقاعة آمرة هو أن العقد يبرم لمدة سنتين، وهذا دليل على أن المشرع قد حرم إجراء أية
مراجعة كرائية فيما يخص كراء المحلات الحبسية، وحيث يبقى والحالة هذه أن ظهير الواجب
التطبيق هو ظهير 21 يوليوز 1913 دون غيره من القوانين بوصفه القانون الخاص الذي ينظم
العلاقة الكرائية للأملاك الحبسية وأن أي طلب للمراجعة لا يكون مقبولا في ظل هذا القانون
الذي أوصد الباب لمثل هذه الدعوى"([112]).
ونشير
إلى أن نفس ما قيل عن ظهير 25/12/1980 من عدم سريانه على الكراء الحبسي، يمكن قوله
على قانون رقم 99-64 المتعلق باستيفاء الوجيبة الكرائية، إذ بالرجوع إلى نطاق تطبيق
هذا القانون يتضح أنه لا يمكن أن يسري على الكراء الحبسي إذ جاء في الفصل الأول من
قانون 99-64 أنه: "بصرف النظر عن جميع المقتضيات القانونية التي يبقى حق اللجوء
إليها قائما...." فهذه الجملة تؤكد أن هذا القانون لا يطبق في مجال الكراء الحبسي
لما له من طباع استثنائي([113])، ولكون القانون الخاص يقدم على القانون العام في التطبيق.
وهكذا
يظهر من خلال النصوص القانونية والعمل القضائي، أن الإطار العام لكراء عقارات الأحباس
هو التشريع الكرائي الحبسي، وأنه لا يمكن الخروج عنه، فمقتضياته تتعلق بالنظام العام
لا يجوز مخالفتها، وهو ما أكده حكم ابتدائية مراكش المشار إليه أعلاه، إذ جاء في إحدى
حيثياته: "وحيث أن ظهير 21/07/1913 هو المنظم للعلاقة الكرائية فيما يخص أملاك
الحبس، وأن الظهير نص على مسطرة إبرام هذا العقد، ولا يمكن لأي من الطرفين التنازل
أو عدم إعمال أي قاعدة أو نص من قواعده، بوصفه يتضمن قواعد آمرة لا يملك الأطراف الاتفاق
على مخالفتها..." ([114]).
0 تعليقات