( البورصة) .. أسرع الطرق لفقد العقل


حتما يشاهد الجميع ما يحدث في البورصة من تعاملات، حيث نشاهد موظفين عيونهم "شاطحة" نحو الشاشات، أو مشغولة بأجهزة الحواسيب الكل في أذنه سماعة تليفون يستمع أو يتحدث، يرفع يده وينزلها بسرعة دون أن ندري ما يعني، أعصاب مشدودة وابتسامة مفقودة، غفلة اللحظة تعني خسارة الكثير، وانتهاز أنصاف الفرصة يحقق الربح الوفير. إنها "البورصة" السوق الأكثر متابعة في العالم، السوق التي لا تغيب عن الشاشات، ولا أعمدة الصحف، ولا حديث المجالس. السوق التي تتحول فيها بلايين العملات إلى كرة لهب تتقاذفها الشاشات، يغنمها القليل، ويضيعها الكثيرون. إنها البورصة، الطريق الأسرع للثراء، والطريق الأكثر سرعة للجنون وفقد العقل.
لا يعلم تاريخ متفق عليه لنشأة البورصة، وإن كانت الكلمة تعزى إلى اسم عائلة تاجر بلجيكي اسمه "فان دير بورصن Van der Bursen" كان يجمع التجار في منزله لتبادل بعض الأوراق التجارية في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي. كما أن أول شركة أصدرت أسهما وسندات هي "شركة شرق الهند الهولندية "Dutch East India Company"، وكان ذلك في أمستردام، عاصمة هولندا في 1602م.
وبذلك كانت سوق الأوراق النقدية في أمستردام هي السوق الأولى التي شهدت فعليا تأسيس سوق الأسهم بشكل قريب لما هو معروف في العصر الحديث، ثم افتتحت سوق لندن للأوراق المالية في 1690م، تبعتها باريس ونيويورك اللتان تأخرتا في إنشاء سوق مماثلة لما في أمستردام ولندن، وتأسست سوقا باريس ونيويورك في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وبالتحديد في 1792م حسب ما تذكر كتب التاريخ الاقتصادي ويعتبر سوق نيويورك هو الأهم والأكبر حاليا على مستوى العالم، ويسمى الشارع الذي يقع فيه السوق "شارع الجدار Wall Street". وللتسمية قصة طريفة. فحينما غزا البريطانيون المهاجرون نيويورك لاحتلاها، أقام المستوطنون في المدينة الذين تعود أصولهم إلى هولندا جدارا ليحميهم من الغزو. ولكن الغزاة هدموا الجدار، وأقاموا مكانه شارعا، سمي بشارع الجدار، وأصبح فيما بعد أهم شارع في العالم على الإطلاق.

تعريف البورصة وأهميتها:

لا يتغير تعريف البورصة عن تعريف أي سوق للسلع والخدمات الأخرى؛ فهي سوق تجمع البائعين والمشترين في مكان واحد لتبادل عمليات البيع والشراء وتسوية الديون، وأن كان اسم البورصة جعل هذه السوق تتحدد أو تقتصر عمليات البيع والشراء فيها على الأوراق المالية من أسهم وأذونات وغيرها من الأوراق المالية.
وأما أهميتها، فتنحصر في أنها وسيلة لتجميع المدخرات من الناس وتقديمها لأصحاب المشروعات، السماح لمؤسسات القطاعين العام والخاص بإشراك الجمهور في رأس المال، بما يعني إعادة توزيع للثروة في المجتمع، كما أنها وسيلة استثمار للكسب وتنمية الثروات السائلة، وهي أيضا من أكثر وسائل الاستثمار شفافية من خلال مراقبة الحكومات عليها، وضرورة تقديم شركاتها لحسابات ختامية دورية توضح وسائل استثمارها وأرباحها وخسائرها.

سوق الأسهم والأزمات:

مثلما أن سوق الأسهم أو السوق المالية عموما هي وسيلة جيدة لتنمية المدخرات، إلا أنها اشتهرت أكثر بأزماتها، وانحدارها، وخسائرها. كما أن الأزمات في سوق الأسهم تتسم بترابطها، فأزمة سوق تؤثر مباشرة على الأسواق الأخرى، وبسرعة، فيما ارتفاع سوق قد لا يكون ذا تأثير كبير لتقلده الأسواق الأخرى.
عموما، لعل أهم أو أكبر الأزمات المعروفة في الأسواق المالية هي أزمة "الكساد الكبير" في 1929م، وكانت بدايتها انهيار بورصة نيويورك فيما يعرف بـ"الثلاثاء الأسود Black Tuesday"، حينما انهارت بورصة نيويورك بمعدل 13 في المئة في اليوم الأول، ويستمر الانخفاض ليصل إلى نسبة وصلت 50 في المئة في نهاية الأسبوع الأول فقط.
كما أن انهيار الأسهم في الأثنين الأسود في أكتوبر 1987م، كان مشهودا لأنه طاف كل أسواق العالم تقريبا في أقل من يومين. والشرارة بدأت بانهيار سوق هونج كونج، تبعتها بقية الدول، ولم ينته شهر أكتوبر إلا وبورصات العالم تفقد ما يوازي 30 في المئة من قيمتها أول الشهر.
ولابد أن نذكر أزمة سوق "نيكاي" اليابانية التي أغلقت في قمة عنفوانها عند ما يقارب 40 ألف نقطة في أواخر 1989م، لتبدأ طريقها العكسي لتصل إلى ما يقارب 5 آلاف نقطة فقط.
كما أن أزمة (Dot-com bubble) التي شهدتها شركات التقنية والكمبيوتر تعتبر إحدى أزمات الأسهم الكبيرة في العالم، حينما فقد مؤشر "نازداك:" ما يزيد على 1400نقطة خلال أربعة أشهر في بدايات عام 2000الميلادي.

سوق الأسهم السعودية:

بالتأكيد لا ينسى السعوديون يوم السادس والعشرين من شهر فبراير عام 2006م، فهذا اليوم الذي بخر أحلامهم في تحقيق الثراء، والمكاسب الخيالية التي كان السوق يعطيها خلال الفترة من 2002م إلى بداية الأزمة.
السوق السعودي قفز بسرعة هائلة خلال السنوات المذكورة، فالمؤشر العام المعروف باسم "تاسي" تحرك من فوق ألفي نقطة فقط في أوائل 2002م، ليصل بسرعة جنونية إلى ما يقارب 21 ألف نقطة في أوائل 2006م، وقبل اندلاع شرارة الأزمة.
ورغم أن المواطن السعودي تعلم كثيرا من السوق، مصطلحات مثل "نسب"، و"خشاش"، و"معلق"، وغيرها إلا أن الخسارة نتيجة الأزمة جعلت السعوديين يكرهون حتى الحديث عن الأزمة، ويحاول كثير منهم تناسي ما حدث (رغم الصعوبة أحيانا).
عموما انطلاق السوق بسرعة جنونية للأعلى يعني ضمنا سرعة تراجعه بالسرعة نفسها، سيما وأن حالة سوقنا تعتبر غريبة نوعا ما، فليس هناك صانع محترف للسوق، كما أن "سلوك القطيع Herd Behaviour" كان يسود السوق، فالمتعامل يدخل السوق تبعا للآخرين وبناء على توصيات غير صحيحة، أو مواقع إنترنت مضللة، كما أن تصرف هيئة السوق المالية خلال الأزمة اتسم بعدم الحكمة، وكان الأولى إغلاق السوق لفترة معينة، والظهور الإعلامي السريع لتلافي الأزمة. إلا أن ذلك لم يحصل للأسف.
للتاريخ فقط، فإن أول شركة مساهمة في السعودية هي شركة السيارات في عام 1934 ميلادي، وفي عام 1954م تم تأسيس شركة الأسمنت العربية تبعت بثلاث شركات للكهرباء. عموما كان التداول يتم بطريقة غير رسمية، وتتولى عملية البيع والشراء مكاتب سمسرة غير قانونية ولا مرخصة.

في فبراير 2006 م بدأت شرارة "انهيار" السوق السعودية

رسميا تم افتتاح سوق الأسهم في 28 فبراير 1985م ميلادي، تحت إشراف مؤسسة النقد العربي السعودي، وفي عام 1990م تم تطبيق أول نظام إلكتروني متكامل للتداول والتسويات والمقاصة، وفي نهايات عام 2001م تم اطلاق "تداول" الإلكتروني المتطور، كما نقلت صلاحيات الإشراف على السوق من مؤسسة النقد إلى هيئة سوق المال التي تم تأسيسها في 2003م.

كيف تقاس ربحية السهم:

تختلف مقاييس أداء سوق الأسهم بين Chartist وهم متخصصو التحليل الفني للسوق، وما يسمى Fundamentalist، وهم أصحاب النظرة الأشمل لقيمة الأسهم والظروف الاقتصادية المحيطة بالسوق، ولن ندخل في تفاصيل نظرية كثيرة في هذا الموضوع، ولكن نشير إلى أن تحليل الأسهم لم يكن ممكنا عمليا، حتى كتب "يوجين فاما Eugen Fama" نظرية "كفاءة سوق الأسهم Efficient Market Hypothesis" عام 1965م، وهي التي فتحت الباب واسعا للدراسة التطبيقية لأداء الأسهم، وخرجت بعدها نظرية (capital  assetpricing model CAPN+M)، وهي من أهم الطرق العلمية للتوقع لسعر السهم بناء على معايير معروفة. ولمن أراد معرفة هذه الطرق وغيرها قراءة الكتب المتخصصة في المالية والتحليل المالي والأساسي للأسهم.

إرسال تعليق

0 تعليقات