الضريبة على العقارات المبنية المخاض الصعب بين الفكر الهادئ والمستقبل الغامض

مقدمة

ما زال غبار ودخان الجدل الثائر يملأ الصدور ويحيط بنا جميعاً بشأن مشروع قانون الضريبة على العقارات المبنية الجديد –وقد شارك في الاهتمام طوائف عديدة من الملاك والمستثمرين والمستأجرين والمقاولين وجمعيات الإسكان ووزارة التعمير والإسكان- بل وصل مجال الاهتمام إلى الطوائف المختلفة للعمال والمهندسين ولا نبالغ إذا ما قدرنا أيضاً أن الاهتمام شمل منتجي المواد التي تدخل في أعمال التعمير والبناء- اهتمام غير مسبوق لأي قانون ضريبي في تاريخ مصر .. كل يبحث عن موقعه وتأثيرات القانون عليه .. وحتى الشباب الطامح في مكان يأويه لبناء أسرة .. وبدأت تداعيات المناقشات في المجالس النيابية والتنظيمات النقابية والمهنية .. صاخبة .. قلقة .. متوترة .. وساعدها على ذلك ظروف الحراك السياسي ومناخ الحرية وسط أجواء الغلاء الفاحش والتضخم وهي مشكلة عالمية لم ينجو منها أحد بدرجة أو بأخرى.
لم يعد ممكناً تمرير قانون يمس قطاعات من أبناء الوطن دون أن تتحسس الحكومة موقع خطاها –القانون يشمل التعامل مع الشعب كله-بكافة مواقعه وأطيافه-فهذا يخضع للضريبة–وهذا يتمتع بالإعفاء وآخر يرضي بموقعه القانوني وآخر يثور ويضخم من الأعباء ويدعي هدم السلام الاجتماعي.
أين الحقيقة! .. هل هناك طاقة ضوء في نهاية النفق؟
هل يمكن أن نفكر بهدوء .. بموضوعية .. بحيادية؟
الضريبة على العقارات المبنية ما قبل القانون الجديد
حتى الآن ما زالت العقارات المبنية خاضعة للضريبة بموجب القانون 56 لسنة 1954 والقوانين الأخرى المكملة أو المعدلة له وأبرزها قد سبق أن عرضها المؤتمر السابق في مطبوعاته وهي تزيد عن ستين قانوناً تتعرض للضريبة وغالباً بالإعفاء بالقوانين الخاصة بالنقابات المهنية.

وحدد القانون 56 لسنة 1954 شروط الخضوع للضريبة وهي ثلاثة:

  1. أن يكون العقار تام أو مشغول على غير إتمام.
  2. أن يكون العقار داخل كردون المدينة.
  3. أن تكون المدينة واردة بالجدول (ج) المرافق للقانون.
فإذا ما اختل شرط من هذه الشروط خرج العقار من نطاق الخضوع للضريبة.
وحدد القانون المشار إليه والقانون 169 لسنة 1961 سعر الضريبة وهي 10% من صافي الإيجار السنوي (80% من الإيجار السنوي) للأماكن غير السكنية، ونسبة تتراوح بين 10% حتى 40% وفقاً لمتوسط إيجار الغرفة الشهري للوحدات المنشأة للسكن.
وتدخل المشروع بقوانين عديدة لتحريك وعاء الضريبة برفع شرائح الإعفاء حتى القانون 136 لسنة 1981 ومن قبله القانون 49 لسنة 1977 وقد تدخلا في شأن العلاقة بين المالك والمستأجر بزيادة الإيجار للعقارات التي تستخدم في غير أغراض السكن بنسبة تتراوح بين 100% حتى 400% إذا ما استخدم السكن العادي كسكن مفروش وفقاً لتاريخ الإنشاء منذ 1/1/1944 حتى 9/9/1977 أو نضف هذه النسبة إذا ما تم تأجيره جزئياً كمفروش بمعرفة المستأجر الأصلي–حتى تضمن 136 لسنة 1981 زيادة أجرة الأماكن المؤجرة لغير أغراض السكنى المنشأة قبل 9/9/1977 زيادة دورية ثابتة لمدة خمس سنوات تراوحت 30% للمنشأة قبل 1/1/1944 حتى 5% للأماكن المنشأة حتى 9/9/1977.
أما عن أساس التقدير للقيمة الإيجارية-فهي كالتالي:
  1. حدد القانون 46 لسنة 1962 أن القيمة الإيجارية تحسب على أساس 5% من قيمة الأرض والمباني.
+ 3% من قيمة المباني مقابل استهلاك رأس المال ومصروفات الإصلاح والصيانة.
+

ما يخص القيمة الإيجارية المحددة من ضرائب أصلية وإضافية

.
وتقدير قيمة الأرض وفقاً لثمن المثل وقت البناء وتقدر المباني وفقاً لسعر السوق لمواد البناء وقت الإنشاء.
  1. أما القانون رقم 52 لسنة 1969 فقد حدد القيمة الإيجارية بذات النسبة المشار إليها بالقانون 46 لسنة 1962 إلا أنه أضاف أن يتضمن ترخيص البناء تقدير الأجرة الإجمالية للمبنى بصفة مبدئية وتوزيعها على وحدات المبنى وعلى أساسها يتم التعاقد بين المالك والمستأجر لحين تحديد القيمة الإيجارية بمعرفة اللجان المشكلة لهذا الغرض والتابعة لوزارة الإسكان.
  2. تحديد القيمة الإيجارية بالقانون 49 لسنة 1977 كالآتي:
صافي عائد الاستثمار على العقار 7% من قيمة الأرض والمباني
+ مقابل استهلاك رأس المال ومصروفات الصيانة والإصلاح 3% من قيمة المباني.
+ ما يخص الوحدة من الضرائب الأصلية والإضافية.
على أن تحدد الأجرة على أساس قيمة الأرض وفقاً لثمن المثل 1974 مع زيادة سنوية مقدارها 7% لحين البناء وتقدر المباني بالتكلفة الفعلية وقت البناء.
  1. وأخيراً بالقانون رقم 136 لسنة 1981 تحدد قيمة الإيجار السنوي على أساس:
7% من قيمة الأرض والمباني –عدا الفاخر- وتقدر قيمة الأرض وفقاً لثمن المثل عند الترخيص بالبناء وتقدر قيمة المباني وفقاً للتكلفة الفعلية وقت البناء.

بالإضافة إلى الضرائب الأصلية والإضافية

واستمر تدفق القوانين التي تمس وعاء الضريبة بصورة مباشرة أو غير مباشرة كالقانون 4 لسنة 1996، القانون 6 لسنة 1997، القانون 23 لسنة 1998 بشأن استمرار العمل بالتقدير العام الأخير، القانون 14 لسنة 2001 بتعديل نسب الزيادة في القيمة الإيجارية دورياً والسابق فرضها بالقانون 49 لسنة 1977 للأماكن غير السكنية ثم القانون 154 لسنة 2002 باستمرار العمل بالتقدير العام الأخير للمرة الثانية.
وهكذا
استمرت غابة القوانين منذ القانون 56 لسنة 1954 في النمو وتعتيم الرؤية للعاملين بنطاق ربط وحصر وتقدير وتحصيل الضريبة على العقارات المبنية-وعلى الممولين وكذلك العاملين بالمحاماة والقضاء وخبراء وزارة العدل والمواطنون ملاكاً كانوا أم مستأجرين.
واستمرار مسلسل التهرب الضريبي .. والإهدار للموارد-واستمرت الشكاوى والمنازعات القضائية مئات الآلاف من القضايا-تارة يكون الحكم لصالح الضرائب وتارة أخرى يكون لصالح الممول-واستمرت مناقضات الجهاز المركزي للمحاسبات-وما زال الغموض يغلف القوانين ذات العلاقة بالضرائب العقارية.
واستمرت المتناقضات-تعزف على شجون الجميع في نزاع دائم-هل العقار سكني أم غير سكني!
مفروش أم غير مفروش!
فاخر أم غير فاخر ! سكني ومستخدم في أغراض غير سكنية كلي أم جزئي غير سكني ومستخدم في السكن كالمقابر وغيرها العشوائيات خارج كردون المدينة أم داخله والقصور والفيلات والمصانع والشركات والمشروعات الترفيهية والسياحية داخل الكردون فتخضع للضريبة أم خارج الكردون فتخرج من نطاق الخضوع.
المنتجعات والقرى السياحية بل والفنادق داخل الكردون أم خارجه أم بمدينة لم تضم أصلاً للجدول (ج) المرافق للقانون 56 لسنة 1954-فلا تخضع للضريبة.
ومن المفارقات الصارخة
  1. نصف الشارع يخضع للضريبة داخل الكردون والنصف الآخر لا يخضع لأنه خارج الكردون.
  2. شقة في ذات المبنى تخضع والأخرى أحدث منها وأرقى وقيمتها الإيجارية أعلى عشرات المرات ولا تخضع لاختلاف تاريخ البناء والإتمام.
  3. عشوائيات وحارات وأزقة تخضع للضريبة وأخرى حديثة لا تخضع بالقانون.
  4. النشاط الاستثماري والتجاري بالمدن الجديدة أو خارج كردونات المدن الواردة بالجدول المرافق للقانون 56 لسنة 1954 لا تخضع للضريبة-والأخرى المنافسة لها تخضع وهنا يختل عنصر المنافسة لاختلاف الأعباء الضريبية.
من أجل هذا كله-كان مطلوباً منذ عشرين سنة على الأقل منذ الطفرة العمرانية-أن يكون هناك قانون للضريبة على العقارات المبنية يراعي ما يأتي:
  1. الوضوح والسهولة في التطبيق وبسعر موحد لا يستند إلى أوصاف أو أغراض الاستخدام.
  2. تحقيق التوازن والعدالة الضريبية من حيث الشمول لكافة العقارات.
  3. أن يكون سعر الضريبة عادلاً.
  4. أن يعالج أخطاء وغموض القوانين الحالية بالإلغاء.
  5. أن يتوسع في الإعفاء ويراعي البعد الاجتماعي والتنمية الشاملة.
  6. الدقة في الحصر والتقدير والرقابة الشاملة على أعمال اللجان والمتابعة الجادة.
  7. أن يؤدي إلى تنمية موارد الدولة-ولن يتحقق ذلك إلا بتنقية الربط وسرعة الفصل في التظلمات والطعون.

والآن يمكن أن نطرح الأسئلة الآتية:

  1. هل يمكن أن يستمر العمل بالقانون 56 لسنة 1954 والقوانين الأخرى ذات العلاقة خاصة في ظل أحكام القانون رقم 4 لسنة 1996 بتطبيق أحكام القانون المدني في شأن تأجير الأماكن.
  2. هل يستمر سقف الضريبة على الوحدات السكنية إلى 40% بالإضافة إلى أجور الخفر التي تعادل 20% من قيمة الضريبة.
  3. هل تستمر التفرقة بين السكني وغير السكني، السكني المستخدم في غير أغراض السكن، المفروش، داخل الكردون وخارج الكردون.
  4. هل من المقبول أن يستمر عدم خضوع العقارات المبنية للضريبة للمنتجعات والقصور والفيلات والمصانع والشركات خارج كردونات المدن وفي المجتمعات العمرانية منذ عشرات السنين.
هل يستمر العمل بكل تلك التشوهات!
هناك ضرورة لا خلاف عليها لتحقيق شروط العدالة والبساطة وسعر مقبول والوضوح في التطبيق لكل ما سبق من أسباب فضلاً عن هدف تنمية موارد الدولة تقدمت الحكومة بمشروع قانون جديد للضريبة على العقارات المبنية.
نستطيع من خلال المتابعة الإعلامية المسموعة والمرئية والمقروءة أن نحدد معالم القانون الجديد وهو ما زال تحت البحث والمناقشة والتعديل.

معالم القانون الجديد

  1. تخلص من قيود النطاق المكاني للخضوع للضريبة وهي كردونات المدن الواردة بالجدول المرافق للقانون 56 لسنة 1954 ليشمل إخضاع العقارات وفقاً لشروط محددة أينما كانت على مستوى الجمهورية وقد كان ذلك مطلب جماهيري تبناه نواب مجلسي الشورى والشعب.
  2. خفض سعر الضريبة إلى 12%-سعراً موحداً لا يفرق بين عقارات وآخر ويصرف النظر عن الغرض المستخدم فيه.
  3. حافظ على الإعفاءات السابقة غالباً للجمعيات الخيرية والمستشفيات والمستوصفات والمبرات والملاجئ والأحزاب السياسية والمقار الرئيسية للنقابات المهنية والمنظمات العمالية.
  4. اتسع نطاق الإعفاء للقيمة الإيجارية السنوية من 18 جنيه عن جملة العقارات التي يملكها الممول في أنحاء الجمهورية والوارد بالمادة رقم 21 من القانون 56 لسنة 1954 إلى أكثر من ثلاثة آلاف جنيه على أن تخضع الزيادة عن هذه القيمة للضريبة-أي أنه حدد حداً للإعفاء يتجاوز 150 ضعف ما سبق.
  5. تعرض القانون إلى نصوص المواد 38، 40، 43، 44، 45 من قانون الضرائب على الدخل الصادر برقم 91 لسنة 2005 بالإلغاء مع استبدال نصوص المواد 37، 39، 46 من ذات القانون بنصوص أخرى بهدف التنسيق في التطبيق لكل منهما.
  6. رفع القانون نسبة الخصم من القيمة الإيجارية السنوية إلى 25% للعقارات السكنية، 30% لغير السكنية مقابل مصروفات الصيانة-وقد كانت بالقانون 56 لسنة 1954 نسبة 20% في كل الأحوال.
  7. قدم القانون الجديد حوافز للقضاء على تراكم المنازعات القضائية بين الممولين وجهات ربط وتحصيل الضريبة العقارية وهي كالتالي:
أ- إسقاط الضريبة عن العقارات التي لم يسبق تسجيلها أو ربطها بسجلات الضرائب العقارية عن المدة السابقة لصدور القانون بشرط أن يتقدم المالك بإقراره خلال مدة لا تزيد عن ستة أشهر من تاريخ العمل بهذا القانون.
ب- انقضاء الخصومة في جميع الدعاوى لدى جميع المحاكم التي لم يفصل فيها المقيدة أو المنظورة على اختلاف درجات التقاضي إذا كانت القيمة الإيجارية السنوية المتنازع عليها لا تجاوز 2000 جنيه.
ولا يترتب عن هذا الإجراء استرداد ما سبق أن سدده الممول لحساب الضريبة المتنازع عليها-هذا إلى لم يتمسك باستمرار الخصومة خلال ستة أشهر من تاريخ العمل بالقانون.
ج- يمكن للممولين الذين تقدموا بتظلمات من ربط الضريبة أمام مجلس المراجعة أن يطلبوا حفظ التظلمات خلال ستة أشهر من العمل بالقانون مقابل التسوية بأداء نسبة 10% من الضريبة إذا لم يتجاوز القيمة الإيجارية عشرين ألف جنيه، 20% لما يزيد عن العشرين ألف جنيه-وذات التسوية يمكن تطبيقها في المنازعات المقيدة أو المنظورة أمام المحاكم إذا ما طلب الممول إنهاء المنازعة خلال سنة من العمل بهذا القانون.
-هذا من جانب استعراض الإيجابيات وقد يكون أيضاً تشديد العقوبات على المخالف بقصد التهرب من الضريبة أحد إيجابيات القانون حيث تصل العقوبة بداية إلى مبلغ خمسة آلاف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه-وقد اعتبر القانون التهرب من الضريبة جريمة مخلة بالشرف ويجوز للوزير أو من يفوضه رفع الدعوى الجنائية كما يجوز التصالح ولو بعد صدور الحكم فيها مقابل أداء مبالغ الضريبة المستحقة مقابل التأخير المقرر بالقانون والمحدد على أساس سعر الائتمان والخصم المعلن من البنك المركزي مضافاً إليه 2% مع استبعاد كسور الشهر والجنيه-ويعامل مقابل التأخير معاملة دين الضريبة.
وأخيراً .. الخلاصة هي أن القانون به مزايا تخفيض سعر الضريبة بساطة التطبيق رغم ما يذاع عن القيمة الرأسمالية للعقار أو مستوى المنطقة الكائن بها أو مستوى وتصنيف البناء وجداول استرشادية أو توضيحية تربط بين القيمة الرأسمالية والقيمة الإيجارية وقيمة الضريبة بالقانون 56 لسنة 1954 وتعديلاته والقانون الجديد-يتم نشر كل هذا بالصحف القومية والحزبية والمستقلة لتضيف غموضاً لدى البعض أو راحة لدى البعض الآخر يبقى الأمر دائماً معلقاً بصافي الدخل-صافي القيمة الإيجارية السنوية وتبقى مشاكل التطبيق في البداية على الأقل لا تتضح معالمها حتى يتم عمل لجان الحصر والتقدير بعد صدور القانون واللائحة التنفيذية.
ولا يفوتنا أن نسجل أن الضجة حول القانون في اعتقادنا ربما يثيرها أصحاب وملاك المصانع والشركات والاستثمارات والفيلات والقصور القائمة بالفعل خارج كردونات المدن والغير خاضعة للضريبة في ظل أحكام القانون 56 لسنة 1954.
أما عدا ذلك فلا يمكن تصور خضوع العشوائيات أو المساكن الشعبية أو غيرهم من الملاك ذوي الدخل المحدود وهم الفئة الغالبة في عدم الخضوع للضريبة فيما سبق وفي ظل القانون الجديد الذي توسع في قدر الإعفاء وقيمته-أما آلاف المصانع والعقارات الفاخرة والمنتجعات التي تمتعت بعدم الخضوع للضريبة بموجب شروط القانون 56 لسنة 1954-فإن ملاكها هم أول من يتضرر من القانون.

إرسال تعليق

0 تعليقات